الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

الأولة فى الحب زهدنا


كل يوم يضع صورتها أمامه حتى لا ينسى ملامحها وحديثها معه الطويل الجميل الذى تختتمه دوما بكلمة بحبك، فى بعض الأحيان كان يصفع صورتها ويبصق عليها ويهم بتمزيقها ولكنه يتراجع لأنها كل ما تبقى منها بعد انفصالهما المريب.

 

لم ينسها هيثم لحظة ولكنها نسيته وتركته وتزوجت غيره لأسباب ملفقة كما قال لها فى آخر لقاء بينهما والذى كان ينتظره من الأسبوع للأسبوع كى يلتقيها ويحكى لها ما يكنه قلبه ناحيتها من مشاعر تعجز كافة الأقلام عن وصفها والتعبير عنها، للحق هى الأخرى كانت تهيم به عشقا وتعد الأيام والشهور لكى يجمعهما بيت ويلتصق قلبها بقلبه ويملآن البيت الجديد سعادة وحبا وأبناء، عامان هما فترة الخطوبة وفيهما نما الحب اكثر من سنين دراستهما الأربعة فى الجامعة، حب هيثم وسحر لم يكن عاديا بل كان تحديا لكل شىء بدءا بالمجتمع الذى أراد أن يفرض عليه ابنة عمه الثرية ويفرض عليها رجل الأعمال العربى المنعم فى الثراء الفاحش، كلاهما اختارا أن يصعدا الطريق معا ويتحملا الصعوبات فى عملهما هو يعمل فى أحد المستشفيات الاستثمارية كمحاسب وهى فى بنك أجنبى، استطاعا خلال عامين من العمل أن ينجحا فى اقتناء معظم الأساس لأن أهليهما رفضا المشاركة بأى شىء ربما كنوع من العقاب على عدم إذعانهما للعريس والعروسة المرشحة لكليهما.

 

إلى أن جاء هذا اليوم الذى يستعد له هيثم منذ أولى نسمات صباحه ويحضر ملابسه ويهندم نفسه من أجلها ويذهب إليها فى بيتها محملا بكل ما تحبه من شوكولاتات وجاتوهات ولأهلها الفاكهة والخضراوات، لأول وهلة يشعر أن هناك شيئا غريبا فحبيبته تقابله بملابس البيت الرثة على غير عادتها وتضع فوق رأسها ما يشبه عمامة أبيه المسن وقد كانت تطلق شعرها جميلا مسترسلا معطرا يزكم أنفاسه منه ويتطلع لليوم الذى تفرده له ليضع رأسه عليها ويذوب فى حبها عشقا وولها، وضع الأشياء التى يحملها وفرد يده مسلما فجاء سلامها باردا سريعا تسحب منه يدها قبل أن يقبلها كما اعتاد منذ عرفها، يجلس بجوارها فيجدها تبتعد وهى كانت تلتصق به لدرجة سماعه نبضات قلبها، نظر إليها وسألها: مالك، فيه إيه، حد مزعلك، أنا عملت حاجة زعلتك؟؟ أجابتها كانت قاتلة: مش هكمل معاك ومتسألنيش ليه لأنى مش هجاوب! التفت إليها وشدها بعنف وقال لها: نعم، إنتى بتخرفى، هو إحنا جيران وهتعزلى ومش عاوزة حد يعرف سكنك الجديد، أنا هيثم حبيبك وإنتى أملى فى الدنيا كلها، أنا بشتغل عشان أسابق الزمن وأحققلك اللى إنتى عاوزاه، أنا ببساطة عايش عشانك وليكى، قوليلى في إيه، مخبيه إيه، وقام مناديا على أهل البيت، يا عمى، يا ماما، يا أمل، يا مراد تعالوا فهمونى فيه إيه، والله اقتلك لو سيبتينى واتشنق وأنا مبسوط لأنك مش هتكونى ليا فى الدنيا بس هتكونى بتاعتى فى الآخرة.. اتكلمى، اتكلموا يا جماعة فيه إيه، ده الفرح كان كمان أسبوعين وإمبارح مكلمها ساعة فى الموبايل وحب وهيام، إيه اللى حصل، حد يقولى .. لم يتكلم أحد وخلعت دبلته وأشارت بإصبعها على كراتين فيهم كل ما أحضره لها كى يأخذهم معه، ألقى الدبلة فى وجهها وقذف بالكراتين بقدمه وجذبها إليه وسألها وحبنا ومستقبلنا اللى خططنا ليه مع بعض محططتيهوش فى كرتونة ليه هو كمان يا مجرمة، حاول أن يحتضنها ولكنها أبعدت نفسها عنه وهى تبكى وتنهمر دموعها فيحاول أن يمسحهم ويكرر سؤاله عن سبب ما يحدث ولكنها تتركه وتغلق عليها حجرتها لتجبره على الخروج من البيت حزينا منكسرا .. عبثا حاول أن تعود إليه أو حتى يعرف السبب ولكنه يفشل ليعلم بعدها من أمها بالهاتف أنها تزوجت وسافرت إلى الخارج .. عشر سنوات مضت وهو يوميا يضع صورتها أمامه قبل خروجه من بيته الحزين الذى رغم وجود الزوجة فيه والأولاد إلا أن قلبه معلقا بحبيبته ومنذ أول يوم زواج واشترط أن ينام كلاهما فى غرفة منفصلة وغرفته يحتفظ بمفتاحها لا يعطيه لأحد ووافقت زوجته لأنها أحبته واعتبرت أن فى حياته مساحة لم يحن الوقت بعد ليطلعها على تفاصيلها.

 

بعد عشر سنوات التقى صدفة بأخيها الذى احتضنه وبكى وقال له أختى محبتش حد ادك ولآخر لحظة فى عمرها وهى بتتعذب من بعادك، نظر إليه متسائلا، بتحبنى وسابتنى واتجوزت وسافرت، ده إيه الحب الغريب ده، طب أنا اتجوزت عشان معملش الحرام ومزعلش أمى وكمان أجيب حد يخدم عليا، إنما هى بسلامتها اتجوزت غيرى ليه، أكيد كان غنى! قبل أن يكمل وصلة التهكم انهار أخيها بكاء وقال له: أختى سابتك عشان عرفت إنها هتموت فى خلال أيام لأن جالها سرطان فى المخ سببها عمى وبعدها بأسبوعين بالضبط ماتت وعشان كده سابتك ..

 


المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط