الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

محام يستحق الاحترام


قبل نهاية العام 2013 وعقب الإطاحة بمحمد مرسي من الحكم، واجه المصريون جماعة الإخوان قضائيا، فكان حكم حل التنظيم والتحفظ على أموال الجماعة وأعوانها وداعميها، لحين الفصل فى أمر تورطهم فى أعمال عنف مسلح ضد البلاد والعباد أو دعمهم له من عدمه.


القضية التى ظلت نتائجها مستمرة حتى الآن، ولا تزال، وستشهد الفترة المقبلة ما هو متجدد بشأنها، رفعها محام بالنقض لم يحظ بفرص كبيرة فى الإشارة إليه، وهو الأستاذ محمود عبد الله، أحد قيادات اليسار المصري التقدمي وواحد من أبناء مصر البسطاء فى واحاتها، وعبقري التنظير السياسي فى دائرة الزيتون والأميرية بالقاهرة المنسوبة دوما وإعلاميا إلى قيادات نظام مبارك ومن بعدهم رجال الجماعة حتى زوال حكمها.


كانت أولى الكلمات التى أستمع إلى سيرة السياسة معها فى صباى قد خرجت على لسانه، لم أكن أعرف شيئا كثيرا كغيري من الأطفال عما يدور حولي، اللهم سوى مجاراة حياة لا يعد فيها الطفل رجلا إلا بإنجازه عملا وإنتاجا يضاف إلى تجاوزه سنوات دراسته تباعا، فدون ذلك تصبح بين أقرانك "عيل فافي من زمن الشمعدان وكوكو واوا" لا يليق بك الجلوس فى حضرة أستاذ أو قدوة.


داخل هذا النموذج من المجتمعات ينقسم الناس بين مبايعين لرجال السلطة، أي سلطة، ومعتزلين للشأن العام، ومكتفين بالترويج للدعوة عبر الجلباب والمسبحة واللحية، والراغبين فى صعود اجتماعي بأبنائهم عبر التعليم، والأخيرين كنت أنتمى إليهم وأنا ابن محارب خرج من تجارب القومية العربية وأحلامها مضارا نفسيا مما عاشه، دون أن يفقد أحلامه لنا.


يعتقد كثيرون فى هذه المجتمعات أن الحديث فى الشأن العام والسياسي بعيدا عن الدين هو اعتزال للعقيدة وتجاهل لما أتت به السماء، هكذا جرى تصنيف المحامي محمود عبد الله وظلت تلتصق به سمعة اليساري المصنف شعبيا فى مناطق حضوره شيوعيا، أو قل ملحدا وربما كافرا حسبما يحلو لموالسي السلطة والجماعات وصف أمثاله من المتأملين والآملين والحالمين لوطن بمستقبل أفضل، وهو وصف يعني عند بسطاء "البعيد عن الله" والرافض لأفكار السماء ورسالاتها.


بعد 25 يناير 2011 التقيت الأستاذ محمود عبد الله، وقد صرت صحفيا لي من الشهرة فى حدود موقعي الجغرافي وبما قدمته فى المجال العام، ما يكفى بعض المنافقين لتقديمي مناظرا له فى جلسات مقاهي الحى الذي يجمعنا، وقد خابت ظنونهم أمام تبجيلي له، كان هؤلاء ممن اكتسبوا عضوية "الوطني" حتى حله، وارتدوا سريعا عباءة "الحرية والعدالة" و"مصر القوية" وما على شاكلتهما من أحزاب تديين السياسة، بحثا عن المنفعة، وكانت الفكرة عن الوطن غائبة بإشاعة عبارة "أعطوهم فرصتهم.. ودعونا نجرب بتوع ربنا".


لم تكن سلوكيات القواعد التحتية لجماعات دينية تجاه الأفراد داخل مجتمعنا، يغيب عنها رد الفعل من قبل من يكفرونهم ويشوهونهم لمجرد اختلاف مواقفهم وفهمهم للحياة، لم يضع هؤلاء فى أذهانهم محاربة جماعتهم لفساد قضى على آمال أجيال، ولم يقدموا مبررا واحدا لمطالبتهم الناس التنازل عن أحلامهم أو تحقيقها فقط من خلال التنظيم، فصنفوهم بين كادر و منتم و محب للجماعة، وكان محمود عبد الله عدوا لها بالضرورة وقد أسقط فى مناظراته لقياداتهم كل فكرة تفصل بين الفرد وأمور دنياه لحساب غيبيات من خيالاتهم.


فى هذا المناخ عاش محمود عبد الله وخرج عن النص إلى مساره، رافضا لسلطة و قاهرا لجماعة، حتى إذا ما كانت حاجة الوطن إلى دور أكبر له، حضر من داخل اليسار محاربا مستحقا لتكريم لم ينله أو يبحث عنه.


بين هذه السطور تستطيع معرفة مواطن له فضل كبير فيما يسرك من أنباء متتالية عن قرارات تحفظ على أموال الجماعة وأعوانها، والتى تديرها لجنة قضائية حتى انتهاء التحقيقات فى دور أصحابها، هذا الدور لعبه هذا المحامي الذي لم يعرفه كثيرون ربما لظهوره فى قضايا لا راقصة فيها أو فنانة أو لاعب كرة أو مواقف سخيفة مثيرة لجدل عقيم.


دائما أرى أن ما يجيده الأستاذ محمود عبد الله هو السير وراء "قناعاته" حتى النهاية، وما يليق به هو تطويرها وتغييرها وتعديلها وربما الرجوع عنها، فكل القناعات مسألة وقت نتدارك فيه تفسيرات لحظية لما نعيش، لكن "المبادئ" التى لا نفرط فيها حالة ملتصقة بأخلاقنا، يتمسك بها كل من سلك أحد النجدين، طريق الخير أو الشر، الصواب والخطأ.


أتذكر هذه القيمة القانونية والسياسية فى ظل أجواء انتخابية تنتهى تفاصيلها خلال ساعات، يحضر بعدها برلمان ربما لم أعد أفكر فى غياب أمثال هذا الرجل عنه، وقد ارتضي لنفسه ككثيرين النجاة بالابتعاد عن معاركه والانشغال بتأثير موجه لعمله ومجتمعه، أو أن تسويقا لا يجيده لنفسه جعله منزويا، على خلاف حامل التسريبات وجامع السيديهات وغيرهما من نجوم الإعلام المختفين مؤخرا بعد سنوات تشوهات الذوق التى عشناها بظهورهم.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط