الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

عبدالعزيز صبره يكتب: لماذا قتلوه ؟

صدى البلد

انتهينا من جني فدانين قطن بعد عدة أيام من العمل الشاق، وكان يوما سعيدا ، إذ انتهينا قبل زوال الشمس بساعتين.


وكنا في يوم 6 أكتوبر 1981 نسير في موكب نسوق جملا يحمل كيسين من القطن الأبيض، وحمارا يحمل كيسا فوق ظهره وعربة كارو يجرها حمار تحمل 5 أكياس.


وكان أبي  الحاج عبدالوهاب صبره - عليه رحمة الله - يقود الموكب وكنت أنا صبيا صغيرا دون العاشرة أركب فوق الكيس الخامس فوق كيسين فوق ثلاثة على العربة الكارو..


استدار الموكب مارا وسط ترقب وحرص ونداءات باليقظة فوق الميزانية الكبيرة (تشبه كوبري ولكنها بمستوى الطريق) على ترعة الستات (جمع 6) لنصل إلى السكة الكبيرة متجهين شرقا نحو قريتنا أجيون بمركز فوة – كفر الشيخ ..


نداء من بعض الإخوة عليّ: انتبه.. لفروع أشجار الكافور الضخمة العتيقة التي تتدلى من أعلى وربما أصطدم بها ..


كان الجو قد بدأت تخففه نسمات العصاري والسكة الكبيرة يُلطِف جوها ظلال أشجار الكافور العتيقة.. 
من بعيد يظهر الحاج محمد صباح - يرحمه الله - كبير أعيان المنطقة وله شقيقان حامد ومختار، ضابطا شرطة وهو مدير الجمعية الزراعية كمهندس زراعي حاصل على بكالوريوس الزراعة العالي..


ولكنه على غير عادته، يظهر في ثيابه الأبيض ناصع البياض، وكأنه يهرول منزعجا وقد زاد وجهه احمرارا من شدة الحر ومن الجهد الذي بذله، وبدون شمسيته التي عادة لا يتركها صيفا..


جميعنا انزعجنا إذ كان الحاج محمد من الأغنياء المحبوبين الطيبين، ومعظم عائلته رغم غِناهم وما هم به من سلطة ومناصب إلا أنهم دوما بين الناس كأبسطهم مشاركين في الأفراح والأتراح ..


تقدم أبي مسرعا ..توقف الموكب عن الحركة في صمت.. رهيب هناك أمر جلل..
اتخذ الرجلان جانبا من السكة الكبيرة في مسافة بين ظلي شجرتين من الكافور العالي الضخم وتحت أشعة الشمس المباشرة لم يشغلهما التحرك خطوات للوقوف تحت أحد الظلين ..حيث التقيا ووقفا..


من بعيد نرى الحاج محمد صباح يتحدث إلي أبي محاولا كتم الصوت المنفعل ..وأبي ينفعل رافعا ذراعيه في وجهه بطريقة غير معهودة.. وصلتنا الصورة وردة الفعل الذي وصل لحد البُكاء ولكن الكلمات مكتومة محبوسة..


بكاء ضخم ..حزن عنيف .. انزعاج مؤلم ..
صوت أبي يرتفع ...ليحل اللُغز المرعب ...إزاي يقتلوا الراجل اللي هزم الصهاينة؟ ..ودون أن ندرك كامل الحقيقة، بكينا وانتحبنا جميعنا..
لا صوت على السكة الكبيرة وسط الحقول المترامية مع أشعة الشمس التي بدأت ترحل عن بياضها إلى احمرار.. سيتبعه سواد الغروب ، ولا صوت غير صوت البكاء..


لحظات ويقترب الرجلان نحونا كأنهما يريدان أن نسمع الحوار، الحاج محمد صباح طالبا الهدوء من أبي: اهدى يا أبو رمزي ، عايزين ناخد بالنا من البلد .. فيه خطر ..
يسأل أبي: إزاي يقتلوا الراجل اللي حارب والوحيد اللي فاز على اليهود الصهاينة وبيقولوا بتوع ربنا ...ويرد الحاج محمد صباح لازم ناخد بالنا من البلد دول عايزين ياخدوها ..


ياخدوها إزاي .. دا اللي يبان منهم هنا هنقطعوه حتت وهنولعوا فيه 
..المهم هِم بسرعة ورانا شُغل 
..يلا ياولاد ..سوقوا بسرعة روحوا الحمولة بسرعة ...أبي مناديا على ابنيه الكبار ...يا رمزي يا عبده .. يتنحى بهما جانبا ..يصدر أوامر قاطعة مختصرة ..


ينطلق الموكب بأقصى سرعة .. حث السير على أشده ..تنزيل الحمولات على عجل ..الأخوان الكبيران يدخلان ويخرجان ..فئوس وكواريك ومناجل تُجهز لأية معركة محتملة ..بعض اللفائف تخرج من مخابئ..
الرجال الكبار جميعهم يتجمعون في فرق عند مداخل القرية.. والقُرى ..


الشباب والجدعان يتممون على أدوات الحرب المُعدة خلف مداخل البيوت ..قلق وتوتر ... يدخل الليل والرجال والشباب الكبار سيبيتون عند المداخل ..توصيات وتشديدات للنساء والأولاد والبنات بعدم مغادرة المنازل ...والاستعداد لو أي حد غريب دخل البيت..قطعوه ..
سؤال يتردد وسط الترقب والتوتر والاستعداد لحرق وقتل وتقطيع أي خائن يظهر ..ليه يقتلوه دول أكيد تبع الصهاينة..