الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

نرمين الشال تكتب: الكارثة تبدأ من هنا

صدى البلد





كثيرا ما نتعرض لمواقف أو تصرفات تزعجنا دون أن يمنحنا دوران عجلة الحياة فرصة للوقوف عندها أو مناقشتها فنكتفي  بأرشفتها وتجميعها في أدمغتنا، ثم يحدث أن يأتي موقف هش أو جملة بسيطة فتستدعي ذاكرتنا جميع المواقف السابقة  ويكون انفعالنا  بأثر رجعي،  ويتفجر الغضب بداخلنا فتتناثر عباراته من أفواهنا.


  قبل أيام  كتب الأستاذ أحمد سعيد طنطاوي، الكاتب الصحفي  بالأهرام منشورا على صفحته  حكى فيه  كيف قام أحد الشخصيات العامة  بحظره على فيس بوك، حين حاول  لفت نظره وتصحيح خطأ  حول  تداول  صورة  زائفة  عن جنازة النائب السابق البدري فرغلي، موضحا  أن  الصورة الحقيقية للجنازة  تحمل تعبير حي وواقعي لتاريخ الرجل  وهي أجدر أن تنشر وليس تلك الصورة الأرشيفية،  تفاعلت مع المنشور وذكرت موقف حدث معي من إحدى سيدات المجتمع قامت بحظري لأنني كتبت تعليق عن وجود خطأ إملائي في عنوان خبر مأخوذ عن تصريح لها وكان الهدف من التعليق أن ترجع لمحرري المواقع وتصحح الخطأ وهذا أمر بسيط ومتاح،  فرد على تعليقي بأن هذا شيء عادي وتكرر معه كثيرا.


 وكانت هذه هي اللحظة  المقصودة  فتوقف عندها عقلي واستدعت ذاكرتي جميع ما أرشفته وانتابتني حالة من الغضب،  فما رآه عاديا بحكم تكراره رأيته أنا كارثة  فالرجل والسيدة الذين قاموا بحظرنا ليسوا مجرد مستخدمين عادين وليس تواجدهم على فيس بوك للتسلية وإضاعة الوقت بل هم  شخصيات عامة ممن يصفون أنفسهم بالنخبة  يتصدرون الشاشات متحدثين بألسنة الملايين من الناس، يقترحون خططا لتطوير المؤسسات وينتقدون أداء المسئولين والوزراء، فكيف نثق بمثل هؤلاء  لإجراء حوارا بناء  أو حل مشكلة مستعصية وهل نتصور أن تثمر مناقشاتهم وهم بعيدون عن كل حنكة وكياسة  ويبالغون في تقدير ذاتهم حد التنزيه  لا يقبلون نقدا ولا مراجعة ولا مجرد إيماءة  بوجود خطأ .  


كان الدكتور محمد أبو زيد الفقي، أستاذ الدعوة والثقافة الإسلامية بجامعة الأزهر،  من أكثر الداعيين إلى تجديد الخطاب الديني وتطوير مناهج التعليم الأزهري، وكان  قبل وفاته رحمه الله بصدد الإعداد لمؤتمر عالمي يطرح من خلاله هذا  المشروع  الثقافي وآلياته، وفي سبيل ذلك سعى  للتواصل مع عدد من الكتاب والباحثين المتخصصين في هذا الشأن لنقد الفكرة وطرحها على ساحات الرأي، وقد أوكل إلىَّ هذه المهمة، وكان من بين من تواصلت معهم الدكتور حسين القاضي، الكاتب بجريدة الوطن، وعلى هامش هذا التواصل حاولت  تمرير مقال  كتبته وأردت أن ينشر في أحد الصحف  واستأذنته أن أعرضه عليه فلم يمانع. 

 أرسلت إليه المقال،  وبعد أيام سألته عن رأيه،  فسألني هل لديك عطل في جهاز الكمبيوتر  أو مشكلة في برنامج الكتابة لأنني لاحظت أنك تأخذين مسافة بين حرف العطف وما تلاه من كلمات ؟  قلت له أني أترك المسافة متعمدة، فسألني هل حصلت على الثانوية العامة واجتزت مرحلة التعليم الجامعي !!  كيف إذا وأنت غير قادرة على تنسيق جملة، أو وضع علامات الترقيم بطريقة صحيحة !!! ووجدتني غارقة في الصمت والإنصات.  


فوجهني لقراءة بعض الكتب لتساعدني على التعلم،  وفي النهاية  أخبرني أن  المقال الذي كتبته جيد من حيث البناء ولا مانع من نشره إذا اتبعت القواعد الصحيحة  للكتابة، وحُذفت بعض الجمل الزائدة، انتهت المكالمة وشعرت أني تلقيت واحدا من أهم الدروس في حياتي، وأمضيت عاما كاملا في القراءة والمطالعة، وكتابة بعض  المسودات، دون أن أشرع في كتابة  أي مقال  وحين قررت ذلك حرصت أن  أعرضه عليه أولا  ونجحت في الاختبار هذه المرة، وتمكنت من  نشر أول مقالاتي.

أذكر هذه القصة  الأن  متمنية أن يتم تداولها  علها  تقع تحت أعين هؤلاء  النجباء،   فإذا  لم يحدث فأنا أقترح على مطوري فيس بوك إضافة خاصية جديدة تسمح للمستخدم بتعليق الصداقة قبل إلغاءها وكتم أصواتنا فيضع  من يريد على الأرفف بعض الوقت ربما راجع نفسه  وتعلم  الدرس وفتح باب الحوار  من جديد تجنبا لوقوع الكارثة.