الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

أحمد شيخو يكتب: السلام والاستقرار بين القوى السلطوية والدولتية والمجتمعية

صدى البلد


 
مع حالات الأزمة والقضايا التي تعاني منها المجتمعات والشعوب ودول المنطقة ، ومحاولة القوى المجتمعية للنهوض و السعي إلى التغيير  وإنهاء الأزمات وحل المشاكل والقضايا وإيجاد الحلول . بالإضافة إلى إصرار القوى السلطوتية والدولتية إلى  استمرار التضيق وعدم إفساح المجال امام المجتمع لممارسة ماهيته وفعاليته والتعبير عن إرادته الحرة. يظهر أهمية تحقيق السلام بين القوى المجتمعية الديمقراطية من جهة وبين قوى السلطة والدولة من جهة أخرى. ويمكننا القول أن الديالكتيك او الجدلية بين المجتمع والدولة كان منذ اليوم الأول لتشكيل الدولة كحالة هدنة مستمرة ولن ينتهي، ويمكن أن يكون أحد الحلول الناجحة هي السلام والوفاق المشروط بينهما في حالة وجودهما معاً. ومن هنا يمكننا ان نتحدث عن تعبير "الحل السياسي" للأزمات والقضايا الوطنية.  
إن حالة الحرب هي  غالباً  تجسيد لحالة غياب السلام، ولايمكن للسلام ان يكتسب معناه الحقيقي، إلا بالاعتماد والتأسيس على الدفاع الذاتي . والسلام غير المتضمن للدفاع الذاتي كحق لكل حيّ ومجتمع وشعب ، يعبر عن الإستسلام والخنوع والعبودية. 
ويمكننا الإشارة  أن الألعوبة المسماة بالسلام الخالي من الدفاع الذاتي، وحتى الاستقرار الديمقراطي والوفاق، والتي تفرضها القوى  السلطوية و الدولتية ومنها الليبرالية والقوموية والإسلاموية  ومن ورائها نظام الهيمنة العالمي  في راهننا على الشعوب والمجتمعات، فلا تعبر سوى عن مواراة هيمنة  القوى الدولتية والطبقة البرجوازية بالقوة الأمنية والعسكرية الغارقة فيها حتى الحلق بشكل أحادي الجانب. أي انها تمويه وأخفاء لحالة الحرب بصيغة وصبغة السلام  والاستقرار  المزيف المضلل.
تاريخياً  وحضارياً يعبر السلام عن ذاته بأشكال مختلفة تحت اسم المصطلحات المقدسة والأديان المختلفة كحالات للبحث عن الوفاق والاستقرار والسلام بين السلطة والمجتمع في هيئة أوامر إلهية.
لايمكن للسلام أن يستتب ويتجسد دون أن يكتسب معناه الحقيقي، إلا في حال تفعيل الدفاع الذاتي للمجتمعات والشعوب، وبالتالي لدى صون وضمان طابعها الأخلاقي والسياسي أي  طابعها الديمقراطي وإرادتها الحرة. 
وأي سلام  أو حلول محمل بمعان أخرى خارج ذلك، فإنه لن يعني أكثر من كونه فخاً منصوباً  لكل المجموعات والشعوب، واستمرار لحالة الحرب بأشكال مغايرة مستورة ومخفية، حتى أن كلمة السلام  معبئة ومتخمة وحملة للكثير من المصائب والمصائد في ظل الحداثة الرأسمالية للنظام العالمي المهيمن. بالتالي، فإستخدامها محفوف بالمخاطر إذا لم تعرف على نحو صحيح وكافي.
ومن الأهمية معرفة الشروط الثلاثة التالية، كأرضية وتحقيق للسلام المبدئي الحقيقي :
1_لاينبغي تجريد الأطراف المعنية من السلاح كلياً. بل تقوم الأطراف بالتعهد فقط بعدم قيامهم بشن الهجوم المسلح على بعضهم بعضاً تحت أية ذريعة وحجة كانت، و أن لايندفعوا وراء التفوق العسكري، و يقبلوا احترام حقوق الأطراف المعنية وإمكانياتم في ضمان أمنهم الذاتي.
2_لايمكن الحديث عن  التغلب والتفوق النهائي لطرف ما. قد يستتب الاستقرار والهدوء في ظل تفوق الاسلحة. ولكن يستحيل نعت هذا الوضع بالسلام. بل لايدخل السلام جدول الأعمال إلا في حال قبول الطرفين المعنيين بوقف القتال بشكل متبادل، دون تفوق السلاح، أيا كان الطرف المعني، محقاً كان أم لم يكن.
3_تعترف  الأطراف المعنية لدى حل القضايا باحترامها للآلية المؤسساتية الديمقراطية للمجتمعات والشعوب، مهما كان وضع الطرفيين. 
وضمن هذا الإطار يعرف الشرط المسمى بالحل السياسي. إذ يستحيل تقييم أية هدنة على أنها السلام، مالم تتضمن هذا الحل الديمقراطي.
تدخل السياسة الديمقراطية الأجندة وجدول الأعمال في ظل شروط السلام المبدئية تلك، لتكتسب أهمية لا استغناء عنها. فلدى عمل المؤسسات المجتمع الديمقراطية فبطبيعة الحال سيكون مسار السياسة الديمقراطية هو المتقدم والواضح البارز،  وعلى الأوساط والقوى التي تتطلع إلى استتاب السلام أن تدرك أنه تدرك أنه لايمكنها إنجاح ذلك، إلا إذا أدت السياسة دورها على اساس أخلاقي ومجتمعي وليس دولتي وسلطوتي.
ينبغي على الأقل إلتزام طرف واحد بأقل تقدير بالسياسة الديمقراطية في السلام، لأنه من غير ذلك لن يكون المتحقق أبعد من كونه لعبة سلام بإسم الاحتكارات والسلطة والدولة. تؤدي السياسة الديمقراطية دوراً مصيرياً في هذه الحالة. 
لايمكن  أن يتم عيش مرحلة سلام مشرف وثمين وحقيقي تجاه قوى السلطة والدولة، إلا تاسيساً على الحوار مع قوى السياسة الديمقراطية. وإذا لم تتواجد هكذا سلام فإن حالة الحرب ستستمر دون توقف. حتى لو قامت القوى المتحاربة بإسكات السلاح والعنف بشكل متبادل لمدة من الزمن،  حيث تبقى الكوارث  والمشاكل والإحتياجات المادية والاقتصادية التي سببها الحرب. وفي حال عدم تلافي هذه المصاعب  فستستمر الحرب إلى أن يتمكن أحد الأطراف من تحقيق تفوقه. من هنا لاتسمى هذه الحالات بفترة سلام بل يمكن تسميتها بالهدنة المؤقتة المتطلعة إلى خوض حروب أكثر ضراوة وشراسة. ولكن تكون أية هدنة ذات طابع سلمي أو إفساح المجال أمام السلام.

قد يحرز  الطرف المحق  المجتمعي الذي في حالة الدفاع الذاتي تفوقاً نهائياً في بعض الحالات والأحيان، ولكن علينا الإدراك أن شروط الثلاثة للسلام  السابقة لاتتغير. فكما شوهد في تجربة الكثير من البلدان من الاشتراكية كما في الإتحاد السوفيتي والعديد من البلدان والشعوب و حركاتها التحررية الوطنية المحقة والعادلة، فالتهافت على السلطة والتوجه فوراً إلى بناء الدولة ، والعمل على تكريس الأمن والاستقرار في ظل تلك السلطة والدولة لايمكن أن يكون سلاماً واستقراراً. بل ماسيجري حينها هو إحلال القوى المحلية من راسمالية الدولة أو الشريحة المسماة بالبرجوازية القومية أو الدينية محل القوى الاحتكارية الدخيلة الخارجية. وحتى لو سميت بالسلطة الاشتراكية أو الوطنية أو القومية أو أية تسمية أخرى جميلة، فإن هذه الحقيقة السيسيولوجية لاتتغير.
والسلام  من حيث المبدأ ليس ظاهرة متحققة بتفوق السلطة والدولة. ولايمكن للسلام أن يدخل الأجندة مالم تقم السلطة والدولة أيا كان أسمها من البرجوازية، الاشتراكية، القومية، الدينية و الليبرالية بمشاطرة تفوقها مع القوى  المجتمعية الديمقراطية. فالسلام وفاق مشروط بين قوى الديمقراطية و قوى الدولة. وقد شهد التاريخ عمليات الوفاق المشروطة في العديد من الفترات والأماكن. فكان هناك المبدئي والطويل، كما كان  هناك مانكث به حتى قبل جفاف حبر الذي كتب به. 
وعلينا العلم أن المجتمعات لاتعيش فقط ضمن بنى مشكلة ومؤلفة من قوى الدولة والسلطة، ومهما تم تضييق مساحتها وعمل انسجتها وبناها، فهي تستطيع أن تستمر بوجودها في ظل هويتها الذاتية وبأخلاقيتها وسياساتها المرنة، مادامت لم تفنى ولم يتم نسفها في أي وقت من الأوقات رغم كل المحاولات التحجيم والتضيق والتشرزم والتفتيت،  وهذه هي الحالة الأساسية للحياة التي لم تكتب في التاريخ.
ويبقى حالة تحقيق السلام والاستقرار والوفاق الديمقراطي بين المجتمع والدولة وقواهم ممكنة بضمان وصون الدفاع الذاتي للأطراف والمجتمعات والشعوب وفق شروط السلام الثلاثة المرتكزة للسياسة الديمقراطية والاحترام والاعتراف المتبادل وليس تجريد أي طرف من قوته أو سعي طرف لتفوقها على الأخر. ويمكن ضمان السلام و حقوق الأطراف، وحتى علاقة المجتمع والدولة وتحقيق السلام بينهم وفق دساتير ديمقراطية ومؤسسات ديمقراطية وضمن بلدان ديمقراطية موحدة، مع ضمان حق كل مجتمع  وشعب  وخصوصية وطرف وحتى إنسان  وفرد  في ممارسة سياسته الديمقراطية و حمايته الذاتية المصانة لوجوده وحريته وكرامته.