الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

فاروشا المهجورة .. حكاية مدينة تنذر باندلاع حرب عالمية ثالثة

فاروشا .. أرشيفية
فاروشا .. أرشيفية

أثار قرار تركيا فتح أجزاء من مدينة فاروشا القبرصية، استياء وغضب كثير من دول العالم، حيث أكد الجميع رفضهم للخطوة التركية وبادروا بإدانتها، بل ووصفوها بـ "الاستفزازية".  

فتح جزء من فاروشا

أعلن زعيم القبارصة الأتراك إرسين تتار، الثلاثاء، أن قسما تبلغ مساحته 3.5 كلم مربعة من منطقة فاروشا سيعود من السيطرة العسكرية إلى السيطرة المدنية.

جاء هذا الإعلان قبل عرض عسكري حضره الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لإحياء الذكرى السابعة والأربعين للغزو التركي لقبرص عقب انقلاب نفذ قوميون قبارصة يونانيون كان يهدف إلى الاتحاد مع اليونان.

وإعادة فتح المدينة الساحلية، التي فرّ سكانها عام 1974 وحاصرها الجيش التركي بالأسلاك الشائكة، هو خط أحمر بالنسبة إلى حكومة قبرص اليونانية.

وصرح كل من أردوغان وتتار بأن السلام الدائم في قبرص لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال اعتراف المجتمع الدولي بدولتين منفصلتين، في تحول عن عقود من مفاوضات الهادفة للتوصل إلى اتفاق إعادة توحيد الجزيرة، وخيبة أمل للمجتمع الدولي.

فاروشا مدينة الأشباح

وتقع مدينة فاروشا "ماراس بالتركية" أو مدينة "الأشباح" كما تعرف شرقي قبرص، وهجرها سكانها الأصليون القبارصة اليونانيون منذ قرابة نصف قرن، حيث يسيطر عليها الجيش التركي منذ العام 1974.

وكانت تعرف مدينة فاروشا قديما بـ "لؤلؤة قبرص" كواحدة من أهم المنتجعات السياحية في العالم قبل أن تقسم جزيرة قبرص على خلفية الصراع بين تركيا واليونان في عام 1974، إلى جزء شمالي تحت سيطرة أنقرة وغير معترف به دوليا، وجزء جنوبي تحت سيطرة اليونان وعضو بالاتحاد الأوروبي، وعلى أثر هذا التقسيم هجر سكانها لتصبح مدينة أشباح واختفت منها مظاهر الحياة كافة.

وغزت تركيا في يوليو 1974، الثلث الشمالي من قبرص ردا على انقلاب نفذه قوميون قبارصة يونانيون بهدف ضمها إلى اليونان، حيث قسمت الجزيرة منذ ذلك الحين بخط حدودي يفصل بين جمهورية قبرص في الجنوب "يسكنها غالبية قبرصية يونانية"، وقبرص التركية في الشمال "يسكنها قبارصة أتراك".

مظاهر الحياة في الجزيرة

الحياة في مدينة فاروشا متوقفة، إذ باتت المدينة الساحلية خالية من السكان، وأصبحت منطقة عسكرية مطوقة بالأسلاك الشائكة تقع تحت السيطرة المباشرة للجيش التركي، وينتشر نبات الجهنمية على أسطح المنازل المهجورة.

وتقرر في أكتوبر الماضي، إعادة إحياء المدينة، وأصدرت سلطات قبرص التركية مرسوما يقضي بفتح شارع ديموكراتياس العابر للمدينة والذي يؤدي إلى الشاطئ الذهبي الذي كان وراء شهرتها.

ويتنقل سكان من فاماغوستا التي تعد فاروشا أحد أحيائها، وبعض السياح بالدراجات الهوائية أو بأحذية مزودة بعجلات في هذا المتحف المفتوح.

وقالت السلطات في قبرص التركية، إن "أكثر من 200 ألف شخص زاروا فاروشا منذ إعادة افتتاحها الجزئي".

غضب عالمي من القرار التركي 

القرار التركي أثار حفيظة عدد من دول العالم، وخرج الجميع منددا بـ الخطوة التركية، حيث أعرب وزير خارجية الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل عن "قلقه" لإعلان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مشروعا لإعادة فتح مدينة فاروشا القبرصية التي سبق أن كانت نقطة جذب سياحية، معتبرا أنه "غير مقبول".

وقال بوريل في بيان "يشدد الاتحاد الأوروبي مجددا على ضرورة تفادي الخطوات الأحادية المنافية للقانون الدولي، والاستفزازات الجديدة التي يمكن أن تزيد التوترات في الجزيرة وتهدد استئناف المفاوضات بهدف التوصل إلى تسوية شاملة للمسألة القبرصية".

اليونان البلد المجاور لتركيا وقبرص والذي تشهد علاقته مع تركيا توترا كبيرا، أدان بأشد العبارات الإعلان التركي بشأن منتجع فاروشا واعتبرته انتهاكا لقرارات مجلس الأمن ومبادئ الاتحاد الأوروبي.

أردوغان خلال عرض عسكري في فاروشا
أردوغان خلال عرض عسكري في فاروشا

وقالت الخارجية اليونانية في بيان صادر عنها، إن الإعلان يعد انتهاكا صارخا للقرارين 550 لعام 1984 و789 لعام 1992 الصادرين عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وكذلك لقرارات المجلس الأوروبي، "التي تدعو تركيا إلى الامتناع عن الأعمال الأحادية والاستفزازية التي تزعزع استقرار المنطقة".

من جهتها، قدمت حكومة قبرص، احتجاجاً رسمياً إلى الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي على قرار تركيا والقبارصة الأتراك إعادة فتح فاروشا. وقالت إن هذه الخطوة تنتهك قرارات الأمم المتحدة وتقوض جهود السلام.

وجاء في بيان وزير الخارجية القبرصي نيكوس خريستودوليدس أنه تحدث إلى منسق السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل وسيبعث برسالة إلى الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة حول هذا الموضوع.

وسيلة إزعاج وابتزاز للأوروبيين

الدكتور بشير عبد الفتاح، الخبير بالشأن التركي، قال إن الملف القبرصي يستخدمه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان كوسيلة لابتزاز الاتحاد الأوروبي ضمن سياسة توظيف الدين والامتدادات الإثنية التركية في المحيط.

وأوضح عبد الفتاح في تصريحات لـ"صدى البلد"، أن تركيا بهذه الخطوة توضح للأوروبيين إنها "تمتلك شوكة في ظهورهم، وعليه يجب أن يكونوا أكثر مرونة في الشرق المتوسط، ويمنحوا أنقرة فرصة للتنقيب عن النفط والغاز وحصة في ثروات الشرق المتوسط وتنازلات، أو تستخدم هذه الورقة للضغط عليهم وتجعل قبرص جسرا لعبور اللاجئين المهاجرين الغير شرعيين إلى أوروبا وإزعاج القارة العجوز".

وتابع: "توجد أيضا مسألة الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وتجديد اتفاق الاتحاد الجمركي بين تركيا والاتحاد الأوروبي، وكل هذا مرهون بإبداء مرونة في المسألة القبرصية".

فكرة حل الدولتين وغضب الأوروبيين

وأكد أن "تركيا دائما تريد توحيد الجزيرة، وأصبحت تطرح فكرة حل الدولتين، لأن تركيا تعلم جيدا الاستحالة وإن الأوروبيين والأمم المتحدة والمجتمع الدولي لن يقبلوا بمسألة دولتين، فـ تركيا تقوم بالضغط لرفع مستوى المطالب وهذا هدفها الأول".

حصن عسكري للأتراك 

يذكر أن تركيا وحدها تعترف بإعلان استقلال القبارصة الأتراك منذ 1983، وتحتفظ بأكثر من 350 ألف جندي هناك.