الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

هستريا الصبارة الراقصة!

لم أتصور أن لعبة ..مجرد.. لعبة تتحول بين ليلة وضحاها إلى "ترند" يشعل مواقع التواصل الاجتماعي، بل ويتصدر المرتبة الأولى على نتائج مؤشرات بحث جوجل لأكثر من 24 ساعة.. لا لشيء سوى أنها تردد الكلام وتتمايل وكأنها تحيي صاحبه، ويا حبذا لو صفقت له!

فالحكاية يا سادة بدأت بمقطع فيديو لدمية مصنوعة من قماش على شكل ساق صبار أخضر مغروسة داخل أصيص بني، وبمجرد جلوسك أمامها تقوم بإعادة أحاديثك وهي تتراقص، وكالنار في الهشيم، أنتشر الفيديو بصورة لم يسبق لها مثيل حتى أصبح الكبار قبل الصغار يتساءلون عن "الصبارة الراقصة" بل ويتبادلون كل تفصيلة تمت عن قريب أو بعيد بتلك اللعبة !.. والغريب في الأمر، أن هذه اللعبة لم تكن الأولى التي تقلد الكلام، فقبلها بسنوات ظهرت دمية على شكل قطة تحمل نفس الفكرة، فضلاً عن تطبيقات هاتفية لا تعد ولا تحصى تفعل الشيء ذاته.. ولم تشغل أحدهم يوماً مواقع التواصل الاجتماعي ولا لفتت انتباه أحد عدا بعض الصغار!.. فما الفرق بين هذه الألعاب والصبارة الجديدة؟!..

المتتبع لأحوال الناس وما طرأ عليهم من ردود أفعال حال اختلاف الرأي في البيت.. العمل.. الشارع.. أو حتى على مواقع التواصل الاجتماعي يدرك بسهولة أن الفارق يكمن في أنا وأنت ونحن وليس الألعاب!.. ببساطة، هناك أزمة في التواصل الإنساني، فكثير من الأشخاص يسمعون صوتهم فقط!،.. دون حد ادني من الاستعداد النفسي لأي نقاش، جدال، أو حتى قبول الأخر على ما هو عليه!.. وهو ما يظهر جلياً في الحوارات بين الأهل، الزملاء، والأصدقاء.. ونلاحظه واضحاً عبر  تعليقات الفيسبوك التي تبدأ  بوصلات سباب وتبادل اتهامات حال اختلاف وجهات النظر وتنتهي بحظر"بلوك" سواء في العالم الافتراضي أو على أرض الواقع إذ كان هناك سابق معرفة شخصية!.. وطبيعي أن يسعد كل شخص رافض لأي صوت سواه بلعبة تحقق له غايته وتعيد أقواله ثاني، وثالث، ومائة!.. 

وبعد كل ما قيل ويقال،.. لن أتوقف طويلاً عن مدلول إقدام الكبار على هذه اللعبة، ليقيني من ضرورة دراسة وتحليل ما حدث من قبل المتخصصين في مجالات علم النفس والاجتماع، لكن اسمحوا لي أن أقف عند أم وأب ليس لديهم وقت ولا طول بال لتبادل الأحاديث مع صغارهم وانتهزوا فرصة هذه اللعبة لتحل محلهم وتشغل أبنائهم.. 

عفواً، أنتم لا تكتفون بالتخلي عن أدواركم في تعليم صغاركم الفرق بين الصواب والخطأ بل تساهمون في أصابتهم بمشاكل تخاطب وعزلة تنعكس سلباً على معنوياتهم مع اعتيادهم على إيجاد من يردد كلامهم.. ويوم تلو أخر يعتادون على عدم الإصغاء لصوت سواهم!..

وأخيراً وليس بأخر،.. أتمنى من كل باحث ومهتم بخبايا النفس البشرية وما طرأ عليها من متغيرات عدة،.. أن يدرسوا سر الأقدام الهستيري على "الصبارة الراقصة"، ربما خرجوا بنتائج تساعد في إعادة أواصر التواصل الإنساني بعيداً عن الصدام مع كل رأي مخالف..   

    

   

المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط