الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

في وداع ميركل "سيدة أوروبا القوية"

ابراهيم شعبان
ابراهيم شعبان

جاءت العديد من رسائل الوداع والتقدير، التي أرسلها زعماء العالم، وفي مقدمتهم الرئيس السيسي للمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، في ختام رحلتها السياسية الطويلة على عرش "المستشارية" في ألمانيا، لتؤكد على الدور الفريد الذي لعبته ميركل، في العالم خلال 16 عامًا على سدة الحكم بدأتها عام 2005.

فالرئيس السيسي، قال في رسالة شديدة الإنسانية، إنه تشرف بالعمل المشترك والتعاون المثمر والتشاور المنتظم البناء، طوال 7 سنوات مع المستشارة، "ميركل"، تلك الشخصية العظيمة  التي تجمع بين الحكمة والقوة، والكثيرون من زعماء العالم وسياسيوه الكبار، عبروا عن تقدير ومشاعر جيّاشة تجاه ميركل.

والحقيقة، أن عهد ميركل في ألمانيا سيظل ينظر إليه الكثيرين من الألمان والأوروبيين، بأنه العصر الأكثراستقرارًا وقوة في تاريخ ألمانيا، فقد جعلت "ميركل" الاقتصاد الألماني أحد أكبر الاقتصادات العالمية، ويحتل المرتبة الرابعة عالميًا بعد الولايات المتحدة الأمريكية والصين واليابان، واستطاعت طوال عهدها، أن تدفع ببرلين لتصدر دول أوروبا، فيكون الوصف الثابت لسياساتها التي اتسمت بالعقلانية الشديدة والحكمة، في أزمات كثيرة بأنها "سيدة أوروبا القوية"، حتى حصلت على لقب أقوى سيدة في العالم مرتين عن "مجلة فوربس".

خلال عهد ميركل الممتد، تعرضت ألمانيا وتعرضت قارة أوروبا لأزمات عديدة، لكنها بسياسة رشيدة واعية، اتبعتها استطاعت التغلب على أزمات عاصفة، لعل أبرزها الأزمة المالية العالمية التي انفجرت في 2008، وبدأت بالولايات المتحدة الأمريكية وطالت أوروبا ومختلف دول العالم، وكان يُتوقع لها أن تكون آثارها شديدة ومؤلمة على الاقتصاد الألماني الكبير، لكن ميركل، وبدراسة اقتصادية وعقلانية مع الخبراء الألمان، استمرت أسابيع عدة، استطاعت أن تقلل من حدتها، وألا تصل تداعياتها لزيادة أعداد البطالة في ألمانيا كما كان متوقعًا، ولعل إدارتها لهذه الأزمة في بدايات حكمها قد دفعت الألمان للثقة التامة فيها وفي سياساتها وتجديد انتخابها. 

ويحسب لميركل كذلك، أنها عملت طوال 16 عامًا على تقوية  أوروبا "القارة العجوز"، من منطلق الزعامة الأوروبية الحقيقية ولم تدفع لانهيار الاتحاد الأوروبي، كما كان متوقعا بعد خروج بريطانيا أو أن يترنح "اليورو"، بل كانت واحدة من سياسات ألمانيا الاقتصادية أن عملت على  تقوية "اليورو" كعملة أوروبية موحدة، وكقوة مالية أوروبية تقف في وجه الدولار.

وليس هذا فقط فخلال عهد ميركل استطاعت أن تتعامل بثبات مع زعماء "مزعجين"، وفق الوصف السياسي لتصرفاتهم ومنهم الرئيس الروسي بوتين والرئيس التركي أردوغان، وأن تكسب ثقة واحترام الرجلين، بمواقفها العقلانية تمامًا وحرصها على تعزيز القيم الأوروبية الديمقراطية والحفاظ على كيان أوروبا حتى لا تصطدم بالروس أو أن تفجرها أزمة اللاجئين كما حاول أردوغان. 

وبالإضافة إلى كل ذلك كان موقف الألمان، في عهد ميركل، من القضايا العربية موقفا شديد الاحترام، فـ" ألمانيا ميركل" لم تتورط في عداوات مع الدول العربية، ولم يكن لها أطماع بها مثل بعض القوى الغربية حتى اللحظة، بل العكس يحسب لها تحركها بقوة عالمية مؤثرة في أزمات "عنيفة" مثل الأزمة الليبية، ولا يزال مؤتمرا برلين "الأول والثاني" هما خارطة الطريق الأولى والأساسية لحل سياسي في ليبيا بعد 10 سنوات من التردي.

أما مع مصر، فيكفي الكلمات التي قالها الرئيس السيسي في وداع ميركل، فخلال 7 سنوات من العمل المشترك والتشاور البناء، كانت ولا تزال العلاقات المصرية – الألمانية في قمة نضجها اقتصاديا وسياسيًا وعلى مختلف المجالات.

ميركل صفحة لن تطوى في تاريخ أوروبا الحديث، وستظل سياساتها مثالا يحتذى في برلين وخارجها لوقت طويل، فعالمة "الفيزياء" سطرت سنوات مضيئة في التاريخ الألماني.