أركان الإحسان ، مرتبة الإحسان التى ذكرت فى حديث سيدنا جبريل عليه السلام « أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ » وكان الإمام الْجُنيد يقول: طريقنا هذا -إلى الله- مقيد بالكتاب وَالسُّنَّة، ولذلك قالوا: إن طريقنا مقيد بالذكر والفكر.
ما هي أركان الإحسان
الإحسان من أفضل منازل العبودية؛ بل هو حقيقتها ولبها وروحها وأساسها، وهو أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك.
فالمحسن لا يؤذي أحدا، فإن آذاه أحد عفا وصبر وصفح وغفر، وإذا عامل الناس عاملهم بالفضل والإحسان، فيعطيهم وإن منعوه، ويَصِلهم وإن قطعوه، ويمن عليهم وإن حرموه، وإنما كان كذلك لأنه كان بالله غنياً، وبه راضياً، ومنه قريباً، ولديه حبيباً.
والإحسان صفة من صفات الله عز وجل؛ فهو سبحانه المحسنُ في خلقه، المحسن إلى مخلوقاته، بيده الخير كله، وله ينسب الفضل كله، هو الذي خلق الخلق فأحسنه وجمّله وأبدعه على غير مثال سابق".
عدد أركان الإحسان
الإحسان معناه في الإسلام هو إتقان العمل وإجادته ليصبح على أكمل وجه وهو معنى واصل من أصول التقوى وثمرة من ثمارها، وهو المقام الذي يجعل المسلم والمؤمن في أرقى مراقي العبودية وبه يرتقي العبد من مرتبة إيمان الاعتقاد إلى إيمان الشهود، وهذا المعنى أشار إليه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وعلى آله في جوابه عن سؤال الأمين جبريل عليه السلام عن الإحسان حيث قال له.. أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك..
أركان الإحسان في العبادة
من الإحسان في عبادة الله المحافظة على الصلوات الخمس في أوقاتها كل يوم، كما قال تعالى: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَىٰ وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ) ، وأداء الزكاة كما قال تعالى: (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ۚ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ) ، ومن ذلك صوم رمضان كما قال تعالى :( فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) .
وأيضا حج بيت الله الحرام كما قال تعالى: ( وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ۚ) ، ومن الإحسان الإيمان بالله ربا ومعبوداً والإيمان بملائكته وكتبه وجميع رسله واليوم الآخر والإيمان بالقدر خيره وشره فقدر الله نافذ وقضاؤه لا محالة واقع.
أركان الإحسان والإيمان
ذكر الدكتور علي جمعة مفتي الجمهورية السابق عبر صفحته على فيس بوك، أنه عندما سُئِلَ رسول الله ﷺ : ما الإحسان ؟ قال: ( أن تعبد الله كأنك تراه )، فانظر إلي الدقة (كأنك) أى من شأنك أن تراه، فالكاف هنا يسمونها ( كاف التشبيه )، إذاً هذه ليست رؤية حقيقية، إنما هي رؤية تمثيلية، يعني: كأنك ترى, فهذا يشبه الرؤية لكنه ليس برؤية؛ لأن الله - ﷻ - لا يُرى في الدنيا بالأبصار، إنما تقبل عليه القلوب :
قلوب العارفين لها عيون * ترى ما لا يراه الناظرون.
وتابع علي جمعة: فالعيون ليست هي العيون التي لها مقلة وطرف ومآق, بل العيون تكون في البصيرة، فتكون أعلى مما هي عليه في البصر، فقلوب العارفين لها عيون أي بصيرة، وتوسم، ونظر بنور الله، فترى بذلك ما لا يراه البشر، الذين اعتادوا الرؤية الحسية بعيونهم هذه؛ لأن الله تعالى { لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وهُوَ اللَّطِيفُ الخَبِيرُ } فالإله لا يحيط به حد، ولا تنظر إليه مقلة.
وأضاف علي جمعة أن موسى كليم الله قال: { رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي ولكن انظُر إلَى الجَبَلِ فَإنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكاً وخَرَّ مُوسَى صَعِقاً} فهذا شيء فوق طاقة البشر، وفوق طاقة الأكوان، ولا يري بالعيون المجردة هذه، ولذلك لما أخبر عن حال المؤمنين في الآخرة قال: { وجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ إلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ } فذكر الوجه وليس العين.
وأشار مفتى الجمهورية السابق إلى أن بعض العارفين بالله يرأون الحديث ( اعبد الله كأنك تراه ) يعني راقب نفسك المراقبة التامة المستمرة، لدرجة أن سيدنا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - كان يراقب نفسه بالأنفاس، فلا يدخل نفس إلا وهو يتأمل، ويتدبر، ويستحضر عظمة الله، ولا يؤمل أن يخرج، أي أنه ينتظر الموت دائماً، وبصفة مستمرة، ولا يخرج نفس ويأمل أن يدخل، فهل مثل هذا الإنسان تصدر منه المعصية ؟ هل مثل هذا الاستحضار يصدر معه التقصير؟ هل مثل هذه الحالة يصدر منها الظلم؟ دائما سيكون مع الله، مع هذه الفكرة الدائمة، يقول: ( اعبد الله كأنك تراه ) ويعني بها مقام المراقبة.
واستطرد: ثم تأتي مرحلة أخرى: ( فإن لم تكن تراه فهو يراك ) هذه مرتبة أقل من المرتبة الأولى، فإنك لا تستطيع أن تكون دائم الذكر له على هذه المرتبة العالية، التي وصل إليها عمر رضي الله عنه وأولياء الله الصالحون رضي الله تعالى عن الجميع ، فاعلم أنه سبحانه يراك، ويعلم سرك ونجواك، فاتق وخف.
فمعنى: ( اعبد الله كأنك تراه ) أنك لا تنسى أبداً، وليستمر ذلك معك طوال يومك حتى تصل إلى درجة الفناء، فإذا فنيت عن نفسك، وعرفت أن وجودك يحتاج إليه - سبحانه وتعالى - وهو لا يحتاج إليك، ووجدت أن الوجود الحقيقي إنما هو وجوده - سبحانه وتعالى - ووجودنا إنما هو وجود عارض، وحادث، وفانٍ، وله نهاية، فإنك تصل إلي مرحلة الرؤية، فالفضل من قبل ومن بعد لله وحده.
التصوف مرتبة من الإحسان
قال الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء في الأزهر الشريف، إن التصوف هو عبارة عن مرتبة الإحسان التى ذكرت فى حديث سيدنا جبريل عليه السلام « أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ » وكان الإمام الْجُنيد يقول: طريقنا هذا -إلى الله- مقيد بالكتاب وَالسُّنَّة، ولذلك قالوا: إن طريقنا مقيد بالذكر والفكر.
وأضاف علي جمعة، في منشور عبر صفحته الرسمية على فيس بوك، أن المسلم إذا أراد أن يسلك طريق الله، فعليه بالذكر ، لقوله تعالى: {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ ... } ، والفكر { ... وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}وبعد الذكر والفكر، تأتي: المناجاة، الدعاء .
وتابع علي جمعة: كذلك إذا أراد المسلم أن يسلك طريق الله ، فعليه بقلة المنام وقلة الطعام، وقلة الأنام، وقلة الكلام.
وذكر أن النبي عليه الصلاة والسلام، أوصانا بالصمت، وقال: «إذا رأيتم الرجل قد أوتي صمتًا، فاعلموا أنه يُلَقَّى الحكمة»، والله بحانه وتعالى يقول: {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ} .
وأوضح، أن قلة الكلام ، ورد عنها قول النبي «اضمن لي ما بين لحييك وفخذيك، أضمن لك الجنة».
وبالنسبة لقلة الكلام، فكان شأن الأنبياء الصمت؛ حتى إن ابن أبي الدنيا، أَلَّفَ كتابًا ضخمًا، أورد فيه كل الأحاديث الواردة، عن فضيلة الصمت.
وأشار إلى أنه فيما يخص قلة الطعام، فإن المسلمين لديهم صيام شهر رمضان، وسيدنا رسول الله ﷺ ، كان يصوم: الإثنين، والخميس، وكان يصوم: ثلاثة من كل شهر، وكان يصوم: أغلب المحرم، وأغلب شعبان، وكان يصوم: التسعة الأوائل من ذي الحجة، وكان ﷺ يصوم كثيرا.
وعندما تحصي ما ورد في السُّنَّة عن الصيام، تجد أكثر من ست شهور، يعني: نصف الدهر، مع رمضان، فيكون أزيد من نصف الدهر –7 شهور-.
أما عن قلة الطعام، فالنبي عليه الصلاة والسلام يقول : «حسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه، وإن كان لابد فاعلًا، فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه».
وتابع: قلة المنام : {قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2) نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (3) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا} . {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} .
وأوضح، أن معني التهجد ، هو أن تترك النوم؛ ابتغاء العبادة، لها ثواب كبير، وقيام الليل، وفضل قيام الليل، وقلة الأنام : معناها: الانكفاف عن الناس، العزلة الطيبة، التي تمكنك من التفكر والتدبر، وهذا في الاعتكاف، حتى إن الإمام الشافعي يوصينا أيضًا؛ أخذًا من السُّنَّة: بأن الإنسان عندما يدخل المسجد، يقول: نويت سُنَّة الاعتكاف، جلس عشر دقائق، ربع ساعة، صلى وانصرف.
وأشار إلى أن الصوفية لم يقولوا : انعزل، واحبس نفسك في البيت. لا، بل جعلوا عمل الإنسان بيده، واكتسابه لرزقه من عمل يده، هو أساس التصوف.
أما العزلة فتكون بقلبك، تعتزل بقلبك، درب قلبك على هذه العزلة، التي لا تغتاب فيها، ولا تَنِمْ، ولا تتكبر، ولا تدخل في مهاترات الناس، وأنت لست طرفًا فيها ، قلل من تبعاتك مع الخلق، وتفكر. هذه هى العزلة.
وأكد أن العزلة هنا: عزلة شعورية، قلبية، روحية، الغرض منها: الطمأنينة، وعدم مخالطة المعاصي.
العزلة هنا معناها: إتاحة مساحة أكثر للتفكر، منوها أن الصوفية التي تهتم بالذكر والفكر، تهتم أيضًا بالتخلية والتحلية "خلي قلبك من كل قبيح ، وحلي قلبك بكل صحيح".
وتابع: ومن دعاء أهل الله : " اللهم اجعل الدنيا في أيدينا، ولا تجعلها في قلوبنا"، لماذا؟
لأن الزاهد الحقيقي، هو مَنْ كانت الدنيا في يده، فزهد فيها؛ لكن الدنيا ليست في يديه، فهو زاهد كذاب، لأن الدنيا لم تأتي له أصلا فبماذا يزهد ؟ هو ليس له إِلَّا التواضع، وليس الزهد؛ لكن هتدعي الزهد، فلابد أن تكون الدنيا في يدك.
الفرق بين الإحسان والحسنى
قال الدكتور محمد داود، المفكر الإسلامي، إن القرآن الكريم كتاب أُحكِمت آياته، فكل حركة وحرف وكلمة وآية وسورة إنما هي متصلة بالحِكم الربانية التي يعرف منها المقصود من هذا الكلام أو الحرف أو الحركة.
وأضاف «داود» خلال تقديمه برنامج «روائع البيان القرآني» على «صدى البلد»، أنه مِن اللافت للانتباه أن آيات القرآن الكريم حينما عبرت عن الإحسان للوالدين قالت: «وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً» تكررت كثيرًا في القرآن الكريم إلا في موضع واحد، يقول الله عز وجل «وَوَصَّيْنَا الإنسان بِوَالِدَيْهِ حُسْناً» (العنكبوت : 8)، ولم يقل إِحْسَاناً، فهل بينهما فرق؟.
وأجاب قائلاً: «نعم كل السياقات التي ورد فيها قول الله -عز وجل- «وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً»، إنما كانت سياقات تُعبر عن أهل الإيمان، ويُبين الله عز وجل الإحسان الذي ينبغي أن يكون بالوالدين، فجاء التعبير على هذا النحو «وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً».
وتابع: «مقارنة بسورة العنكبوت لم يكن الأمر يَخُص أهل الإيمان، وإنما كان الحديث عن الشرك والإشراك بالله تعالى، فموقع الإحسان بالوالدين هنا حين يكون الولد على الإيمان والأب والأم مشركين، فأحب القرآن الكريم أن يبين أنه ينبغي أن يكون الإحسان بالوالدين هنا، لكنه ليس في منزلة الإحسان للوالدين المؤمنين، فعبر بقوله تعالى: «وَوَصَّيْنَا الإنسان بِوَالِدَيْهِ حُسْناً».
وأوضح: «لو نظرت إلى كلمة «حُسْناً وإِحْسَاناً» فيها زيادة في عدد الحروف، وهذا الزيادة يوافقها زيادة في المعنى، فأنت تحسن للزيادة للوالدين على كل حال، لكن في حال الإيمان ينبغي أن يزداد هذا الإحسان، ولذلك عبر القرآن في سياق الإيمان والسياق التكليفي للمؤمنين فقال تعالى: «وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً»، أما في سياق أهل الشرك فلا ينقطع الإحسان عنهما ولكن عبر عنه بدرجة أقل فقال تعالى: «وَوَصَّيْنَا الإنسان بِوَالِدَيْهِ حُسْناً»
وأوضح: «هناك ملمح آخر، وهو نحن نقول في التعبير، حين نعبر عن الإحسان للوالدين نقول الإحسان إلى الوالدين، فالقرآن الكريم لم يعبر بذلك أبداً ولكن قال «وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً»، «وَوَصَّيْنَا الإنسان بِوَالِدَيْهِ حُسْناً» فهل بينهما فرق؟
واستطرد: نعم، فحرف -إلى- يفيد انتهاء الغاية، يعني بينهما مسافة أو فاصل، لكن حرف -الباء- تفيد الالصاق، والله عز وجل، يريد أن ينبهننا إلى أن الإحسان ليس إلى الوالدين وإنما بالوالدين، أي الإحسان لصيق بالوالدين فلا ينفصل في أي لحظة عن الوالدين، بل هو مستمر مُتجدد في كل حال وزمن مهما تغيرت الظروف، إحسان لا ينقطع أبداً، لاصيق بالوالدين في كل حال، فعبر الله سبحانه «بالباء» في قوله تعالى «وَوَصَّيْنَا الإنسان بِوَالِدَيْهِ حُسْناً» فهل بينهما فرق؟.
وأردف: «أما الجملة التي تعودنا عليها بـن نقول الإحسان إلى الوالدين، فمعناها أن الإحسان بينه وبين الوالدين مسافة قد يصل وقد يتحقق وقد لا يتحقق وقد ينقطع أحيانًا».