الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

قم للمعلم

صدى البلد

عقب سنوات من الانقطاع المحمود، عادت من جديد أخبار الأستاذة الجامعية السابقة منى البرنس لتتصدر المشهد الإخباري عقب صدور حكم المحكمة الإدارية العليا برفض الطعن المقام منها وتأييد الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بعزلها من وظيفتها كمدرس بقسم اللغة الإنجليزية بكلية التربية جامعة السويس.

“البرنس” نالت قدرًا من الشهرة في غضون عام 2017، عقب نشرها لعدة مقاطع فيديو عبر حساباتها على منصات التواصل الاجتماعي تقوم فيها بالرقص وصاحبت تلك المقاطع عبارات عن الحرية والاستمتاع بالحياة، الأمر الذي دفع إدارة الجامعة إلى إصدار قرارها المسبب بعزل "البرنس" من وظيفتها ورفضت "البرنس" ذلك القرار واتخذت الإجراءات القضائية اللازمة أمام محاكم مجلس الدولة بدرجاتها بُغية إلغاء ذلك القرار والعودة لوظيفتها.

وبعيدًا عن الخوض في حديث الحريات الشخصية للأفراد وحدودها والقواعد المنظمة لممارستها والقاعدة الذهبية القائلة “إنك حر ما لم تضر” التي أؤمن بها إيمانا كاملا، فإنه لا بد من التوضيح وإزالة بعض الالتباس الذي يشوب تفكير البعض في ذلك الشأن، فلا خلاف أن لكل منا مطلق الحرية في إدارة شئون حياته الخاصة وإتيان ما يشاء من أفعال طالما كان قادرا على تحمل نتائجها وتبعاتها، ولا يحق لكائن من كان التدخل فيها أو منعه طالما لم تخالف تلك الأفعال القانون أو تعد إيذاء مباشرا لغيره من الأفراد، و لكن بمجرد أن قرر الشخص إخراج تفاصيل حياته الخاصة للعلن اعتبر ذلك تنازلا صريحا منه عن حقه الأصيل في بقاء تلك التفاصيل في منأى عن أن تكون موضع للنقاشات وتكوين الآراء عنها أو أن تطولها سهام النقد وعبارات الإطراء كونه هو من قام بنشر تلك التفاصيل بأيّ من طرق النشر وحوّلها من شأن خاص قد لا يعلم به ولا يخص إلا أصحابه إلى شأن عام توافقا مع الطبيعة البشرية الاجتماعية والقاعدة الحياتية بأن لكل فعل رد فعل.

وجرى العُرف منذ فجر التاريخ أن بعض الوظائف العامة يجب أن يتمتع أصحابها بصفات خاصة ويظهرون بصورة تمكنهم من أداء أدوارهم المجتمعية على أكمل وجه، بل إن توافر تلك الصفات يعد أحيانا شرطا لتقلد تلك الوظائف والاستمرار فيها نظرا لخصوصيتها والحساسية المحيطة بها، ويعد تقلد الشخص لمثل تلك الوظائف موافقة ضمنية على تلك الشروط وعلى الالتزام بها.

ففيديوهات منى البرنس بما تضمنته من أفعال تخالف الوقار والرزانة اللازم توافرها في أهل العلم ومعلميه وتهدم الإطار الواجب ظهورهم فيه أمام طلابهم والذين يعدون قدوة لهم، فالأستاذ الجامعي لا بد وأن يظهر في صورة محمودة أو مقبولة على أدنى تقدير عند الغالبية العظمى من طلابه مهما اختلفت قناعاتهم الفكرية والثقافية واتجاهاتهم الأخلاقية ومستوياتهم الاجتماعية لأن اهتزاز صورة الأستاذ في نظر طلابه أو عدم اقتناعهم باحترافيته وجدارته بموقعه ينقل إليهم بالتبعية الحتمية تشككًا فيما يطرحه عليهم من آراء علمية وفكرية وهو أمر يهدد بشرخ في منظومة التعليم الجامعي خاصة في مجالات العلوم الإنسانية والاجتماعية التي هي في الأغلب علوم رأي واتجاهات.

وبعقد مقارنة سريعة بين مقاطع البرنس بما تحويه، ومقاطع أخرى انتشرت لأساتذة جامعيين في عدد من الجامعات المصرية يتلقون فيها تكريمًا هو الأصدق على الإطلاق لأنه من طرف طلابهم بعمل ممرات شرف يقطعها الأساتذة وسط عبارات المديح والتصفيق الحاد من قبل تلاميذهم مشهد أقرب ما يكون بتتويج الملوك والأمراء عقب تحقيقهم للانتصارات، نجد أن الكفة ترجح ناحية النوع الثاني من المقاطع والتي تتوافق مع الصورة الذهنية المتأصلة في وجداننا لأهل العلم وأصحابه وما يتصفون به من عزة ووقار وتفانٍ وإخلاص انعكس واضحًا في ردود أفعال طلابهم والتي حملت حبا وتقديرا لدور أساتذتهم وعرفانا بجميلهم عبّروا عنه بعفوية وبساطة ورُقيّ.

كان حريا بـ “البرنس”، بدلا من تقديم مقاطع الرقص الشرقي التي نتمتع بفائض وفير منها، تقديم ما نعاني عجزا فيه وهو المحتوى العلمي والثقافي والأخلاقي الذي يفيد مجتمعها وينير عقول أبنائه ويكون إرثا لها وتاريخا تفخر به.

فالمعلمون أصحاب رسائل سامية دفعت البعض لتشبيهها بـ الرسالات السماوية قائلين ( قم للمعلم وفه التبجيلا كاد المعلم أن يكون رسولا) والتبجيل لا يناله إلا من يستحقه وينتزعه انتزاعا ، وهم المسئولون مسئولية تنوء عن حملها الجبال عن تكوين وعي وقناعات أجيال و الحفاظ على هامة أهل العلم عالية كما عهدناها لا إحنائها.

وأخيرا أود أن أهنئ الدكتورة منى البرنس لأنها ستتمكن من ممارسة حريتها والتمتع بحياتها بالشكل الذي تراه مناسبا عقب تخلصها من قيود الوظيفة الجامعية بشكل نهائي وإلى الأبد.