الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

تطابق الرؤيتين الإسلامية والمسيحية.. كيف يواجه علماء الدين في مصر التغيرات المناخية؟

علماء الدين
علماء الدين

تقوم المؤسسات الدينية وعلماء الدين في مصر، بجهود متميزة هذه الفترة في مواجهة مشكلة التغيرات المناخية والحفاظ على البيئة والمناخ، تطبيقا لما جاءت به الشريعة الإسلامية، والتي جاءت لعمارة الأرض وحذرت من التخريب فيها.

 

 

وفيما يلي نستعرض جهود علماء الدين في مواجهة التغيرات المناخية.

في البداية، قال الدكتور إبراهيم نجم -مستشار مفتي الجمهورية، الأمين العام للأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم: إن فكرة مؤتمر دار الإفتاء المصرية العالمي السابع للإفتاء الذي عقد في 17-18 أكتوبر الجاري ليتشابك مع قضية الفتوى وأهداف التنمية المستدامة ويبين العلاقة بينهما.

 

وأضاف أن الاشتباك بين الفتوى وأهداف التنمية المستدامة ليس غريبًا من حيث وحدة الهدف الذي يبتغياه الداعون إلى التنمية المستدامة، وأهل الفتوى التي تمثل دافعًا ومحفزًا نحو حركة العمران لا تلك التي تمثل قيدًا عليها، مشيراً إلى أن التنمية المستدامة في أدقِّ معانيها هي مصطلح مستحدث للدلالة على حسن إدارة الموارد الإنسانية وتطويرها، اجتماعية كانت أو اقتصادية؛ لتنمية البيئة وحمايتها.

 

وحول كيفية دعم الفتوى للتنمية المستدامة وهي فعل ديني، والتنمية المستدامة تستهدف الموارد وتطوير طرق استغلالها، أوضح “نجم” أنه يمكن إبرازها هنا عن طريق فَهم طبيعة الدَّور الذي يُناط بالفتوى الحقيقية، لا تلك التي رسمها بعض أدعياء العلم وما مثلته في العقلية الجمعية من قيود على حركة الحياة.

 

وأكَّد أن المفتي الحقيقي هو الذي يُسهم في صناعة مناخ عام دافع نحو بناء الإنسان، بكل مكوناته، روحيًّا وعقليًّا وجسديًّا وبيئيًّا واجتماعيًّا واقتصاديًّا، فهو الذي يستخرج من مصادر التشريع ما يؤكد عمق العلاقة بين الإنسان وبيئته، وما يمكن أن يسهم في عمارة أرضه وبيئته بكل مكوناتها، فتتحقق السعادة والرفاه له وللأجيال القادمة من بعده.

 

الإسلام وعمارة الأرض

 

وقال الدكتور محمد الضوينى، وكيل الأزهر الشريف، إن الفتوى إما أن تكون مصدر ثراء وخصوبة للحياة تجدد نشاطها وتستجيب لمستجداتها، وإما أن توقف حركتها، وتجذر مشكلاتها، والفارق بين الأمرين هو المنهجية المعرفية المتبعة في إصدار الفتوى، فإن كانت أصيلة في التلقي، حكيمة في التوصيل، ساعدت الإنسان على بناء تصورات صحيحة ومواقف سديدة نحو مجتمعه والمجتمعات الأخرى، وإن كانت الفتوى زائفة ذهبت بالناس إلى الهواجس والقلق وربما الكراهية تجاه كل ما يساعد على التنمية.

 

وأكد الدكتور الضويني خلال كلمته بالمؤتمر العالمي السابع للإفتاء الذي تنظمه الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء فى العالم تحت عنوان «الفتوى وأهداف التنمية المستدامة»؛ أن فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر الدكتور/ أحمد الطيب يعرب عن رجاءه الصادق لهذا المؤتمر أن يطرح بحوثا جادة ورصينة، تكون دليلا على مرونة الموروث الفقهي والفكر الإسلامي، وتجاوزه لزمانه، وتفاعله مع العصر الحاضر، وقدرته على الإسهام بنصيب وافر في حل مشكلات الواقع.

 

وأضاف وكيل الأزهر أن «التنمية المستدامة» -وإن نشأت في إطار الاقتصاد- فإن العلوم الشرعية ليست بمعزل عنها؛ بل إنها تضرب بسهم وافر في إقرارها ورعايتها، وفي القرآن والسنة كثير من الآيات والأحاديث التي تدعو إلى عمارة الأرض وإصلاحها والإحسان إلى الوجود كله، ويكفي ما تضفيه العلوم الشرعية من عمق للدراسات التنموية؛ فالمتأمل لواقع المجتمعات يدرك أن التنمية ومشروعاتها حين تقوم على المقومات المادية وحدها فإنها سرعان ما تؤدي إلى انهيار تنموي وتراجع حضاري.

 

وأوضح وكيل الأزهر أن من عطاء الفكر الإسلامي تلك «الفتوى الواعية» أو «الفتوى الرشيدة»، التي تقوم على صناعتها مؤسسات مسئولة، تعمل على استقرار المجتمعات وأمنها، وتدعم تقدمها ورقيها، تحفظ الهويات والثوابت، ولا تمنع التلاقي والتعارف، وهي تلك الفتوى التي تنظر إلى الشريعة الصالحة لكل زمان ومكان، وما أنتج حولها من تراث ثري، ولا تغمض في الوقت نفسه عينها عن واقع الناس، وحركة حياتهم.

 

ولفت الدكتور الضويني إلى أن أحد المعوقات المعاصرة التي فرضت نفسها وبقوة على أجندة عمل المؤسسات هي «التغيرات المناخية»، والتي باتت تهدد التنمية، وتعوق مسيرتها بما تحمل من نذر مخيفة ومرعبة، توجب على البشرية أفرادا ومؤسسات ومجتمعات أن تعمل بجد لإيجاد علاج سريع لها، وأن الفتوى المنضبطة قادرة على توجيه الناس إلى السلوك الواجب تجاه هذه الأزمة الملحة.

 

وأوضح الدكتور الضويني أن الأزهر الشريف انطلاقا من الواجب الإيماني والوطني سار خطوات طيبة في هذا السياق على المستويين المحلي والعالمي، وعلى مستوى التدريب يستهدف الأزهر الشريف تدريب الدعاة من الوعاظ والواعظات على المفاهيم العلمية والشرعية المتعلقة بالمناخ، باعتبارهم قادة الرأي وموجهي الفكر.

 

واختتم الضويني كلمته: "إن النظرة الإسلامية الشاملة للتنمية المستدامة توجب ألا تتم هذه التنمية بمعزل عن الضوابط الدينية والأخلاقية، وأن تمتد أنشطة التنمية إلى الدين والدنيا والآخرة، بما يضمن التوازن والتوافق، وإن «الفتوى الرشيدة» هي التي تبصر الثوابت والمناهج والقواعد العلمية بعين وتبصر الواقع بالعين الأخرى فتصح الرؤية، سائلا الله -تعالى- أن يحفظ بلادنا وبلاد العالمين من آثار تغير المناخ، وأن يحمي مجتمعاتنا من زلل الفتـوى وخطرها".

 

توصيات مؤتمر الإفتاء لمواجهة التغيرات المناخية

 

وخرجَ المؤتَمرُ في ختامِه بمجموعةٍ مِنَ التوصياتِ والقراراتِ المهمَّةِ التي خَلَصَ إليها من خلال اقتراحات المشاركينَ مِنَ العلماءِ والباحثينَ، وقدْ جاءتِ التَّوصِيَاتُ بِمَا يلي:

أولًا: دعا المؤتمر إلى المزيد من الاهتمام بعمليات التأهيل والإعداد للقادة الدينيين وتدريبهم على مراعاة أهداف التنمية المستدامة ونشرها والعمل على دعمها من خلال أدوارهم في المجتمع.

ثانيًا: يدعو المؤتمر إلى التعاون الدائم في مجال التنمية المستدامة والشاملة على المستويات كافة للوصول إلى غاية مشتركة ونتائج واقعية ملموسة، ومن ذلك إنشاء مكاتب ووحدات تُمثِّل قنوات للاتصال بين المؤسسات الدينية -لاسيما الإفتائية- والدوائر التخطيطية والتنفيذية القائمة على المشروعات التنموية للتنسيق بينهما فيما يستجد ويكون للفتوى دور فيه.

ثالثًا: أهاب المؤتمر بالمؤسسات الإفتائية بضرورة العناية بالفتاوى المتعلقة بقضايا: التنمية، ومحاربة الفساد، وتعزيز قيم الشفافية، ومواجهة معوقات التنمية كالانفجار السكاني والجهل ونحو ذلك.

رابعًا: يدعو المؤتمر الجهات المعنية بوضع المناهج الدراسية وتطويرها إلى تعزيز حضور قضايا التنمية في الدرس الفقهي الشرعي في المعاهد والجامعات التي تدرس الموضوعات الفقهية والشرعية.

خامسًا: يثمن المؤتمر كافة المخرجات التي صدرت وعرضت في فعالياته ويدعو الباحثين والمختصين للإفادة منها.

سادسًا: يشيد المؤتمر بمسيرة التنمية الشاملة والمستدامة التي تشهدها مصر بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي وكذلك يشيد بما تقوم به كافة الدول العربية والإسلامية في ذات الشأن

سابعًا: يشجع المؤتمر المؤسسات الثقافية والدينية على تنظيم مسابقات دورية ورصد مكافآت وجوائز كبيرة تشجيعًا للأعمال الدينية والفكرية الموجهة للقطاع التنموي.

ثامنًا: يؤكد المؤتمر علي ضرورة ربط كل المجالات التنموية بعضها ببعض، والتي تجعل من الإنسان مرتكزا رئيسا لهذا المشروع الحضاري التنموي، فتهتم به فكريا وتهتم به اقتصاديا وتهتم به تعليميا وصحيا وبيئيا الخ

تاسعًا: يؤكد المؤتمر على الدور الإعلامي المنوط بالمؤسسات الإفتائية والدينية في التوعية بعمليات التنمية وأهميتها وموقف الفتوى والتشريع منها.

عاشرًا: يهيب المؤتمر بالمؤسسات الوطنية -التعليمية والدينية وغيرهما- على الصعيدين المحلي والعالَمي بضرورة ترسيخ مبادئ المحافظة على البيئة في كافة صُورها بَرًّا وبحرًا وجَوًّا؛ باعتبارها الركيزة الأولى لكافة منطلقات التنمية المستدامة.

حادي عشر: يؤكّد المؤتمر على أهمية التوعية الدائمة بخطورة قضايا التنمّر والتعدّي على الخصوصيات، وعرقلة التكافؤ بين حقوق الجنسين نظريًا وعمليًا، لتفادي جزءٍ كبيرٍ من معوّقات التنمية، كما يناشد المؤتمر المؤسسات التعليمية والتشريعية بضرورة التعاون في التوعية المبكرة والعلاج المتتابع لهذه المخاطر.

ثاني عشر: يؤكّد المؤتمر على ضرورة اعتبار حقوق الأجيال البشرية القادمة في التنمية المستدامة، من حيث الاستفادة بموارد الطبيعة من ناحية، وعدم تقييد حياتهم بفتاوى قاصرة من ناحية أخرى، ويبيّن بوضوحٍ أن من أهم ركائز النظر السليم للمؤسسات الإفتائية: أن تراعي في بحثِها وتطبيقها هذا المبدأ الإنساني النبيل، فلا تقرر اليومَ ما يضرّ بالبشرية غدًا.

ثالث عشر: يشيد المؤتمر بالأهداف السبعة عشر للتنمية المستدامة التي حددتها الأمم المتحدة، واعتمدتها جميع الدول الأعضاء بها في سبتمبر 2015م، ويؤكد على أنها تتوافق تمامًا مع مقاصد الإسلام، وتمثل خطوةً جادّةً ومحوريةً في طريق تحقيق التنمية المستدامة مع ضرورة الأخذ في الاعتبار الخصوصيات الدينية والثقافية لكل مجتمع

رابع عشر: يدعو المؤتمر المؤسسات الإفتائية ومنابر الخطاب الديني بكافة صُوره أن تضع في قمة اهتماماتها: دعم الاقتصاديات الوطنية المحققة للتنمية، والتصدي لما يعرّضها لمخاطر التراجع من الفتاوى المضادة، وهي أحكامٌ شاذة ورؤىً قاصرة لا تتسق مع المقاصد الكلية للدين، ولا تتناسب مع حالة العصر.

خامس عشر: يدعو المؤتمر الباحثين النابهين إلى ضرورة التنقيب في تراثنا الفقهي عن كنوز النظر المستنير الداعم لمفهوم التنمية في كافة العصور، ويؤكد على أن أسلافنا الأماجد لم يكونوا بمعزلٍ أبدًا عن أهداف الشرع ومقاصده في تنمية الإنسان وإنعاش الحياة.

سادس عشر: يؤكد المؤتمر على أن العمل الجماعي في تحقيق التنمية المستدامة واجبٌ إنساني في المقام الأول، وهو يخص جميع البشر على اختلاف أجناسهم وألسنتهم وعقائدهم، بحكم المصير المشترك لهم بالرخاء في حالة إثمار الجهود، أو البؤس الشديد في حالة تفاقم المعوّقات والمخاطر.

سابع عشر: يدعو المؤتمر كافة المؤسسات الإفتائية إلى التواصل مع العلماء والخبراء في مجالات التنمية المتنوعة من التعليم والاجتماع والاقتصاد والبيئة والفضاء والإعلام، والاعتماد على معطيات التحول الرقمي لتطوير أدبيات الفتوى، والإفادة منها على نحوٍ فعَّال في العالم المعاصر بما يحقق أهداف التنمية المستدامة، والاسترشاد بتجربة الأمانة العامة لدُور وهيئات العالم ودورها الرائد في هذا المجال.

 

المركز المسيحي الإسلامي

 

بدوره، أصدر المركز المسيحي الإسلامي للتفاهم والشراكة بيانًا عقب لقاء مشترك جمع القادة الدينيين من الجانبين، أكد فيه: “لقد اجتمعنا نحن ممثلو الأزهر الشريف و الكنائس بجمهورية مصر العربية تلبية لدعوة رئيس الأساقفة سامي فوزي، رئيس أساقفة إقليم الإسكندرية للكنيسة الأسقفية الأنجليكانية.


وذكر البيان أنه من الواضح أن العالم يواجه أزمة بيئية كونية متزايدة في ضوء هذا الواقع واعترافًا بحقيقة أن مصر الحبيبة تستضيف مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ ٢٠٢٢ (COP 27)، و بصفتنا قادة دينيين في مصر، نعرب عن دعمنا القوي ودعائنا و صلاتنا من أجل نجاح المؤتمر القادم المنعقد في شرم الشيخ في الفترة من ٦ حتى ١٧ نوفمبر. ووفقًا لتقاليدنا، ندعو الله أن يكون هذا المؤتمر ضوءًا يهتدي به العالم في سعيه لفهم التحديات البيئية التي نواجهها الآن والاستجابة لها.


وتابع البيان: نُهنئ الرئيس عبدالفتاح السيسي وجميع المسؤولين المصريين على استضافة هذا الحدث التاريخي، وباعتبارنا قادة دينيين في مصر، وحرصًا على وصية الله لنا كبشر  وجب علينا أن نعمر الأرض التي خلقها على أحسن صورة و نحميها كما هو مكتوب في النصوص المقدسة المسيحية و الإسلامية التي تدعونا أن نبذل الجهد العملي وليس مجرد الدعم الرمزي أو المعنوي للمؤتمر.

 

وأوضح البيان أنه بناءً على ما سبق توافق المشاركون على عدد من النتائج والتوصيات على النحو الآتي:
1. تطابق الرؤيتين  الإسلامية والمسيحية في الاهتمام بالبيئة، والحفاظ عليها،  والارتقاء بها، والتصدي للأخطار التي تحيق بها، باعتبار ذلك أمرًا إلهيًا، وواجبًا دينيًا، ومسئولية أخلاقية.
2. نثمن الدور الذي تقوم به المؤسسات الدينية (الأزهر والكنائس) في الدعوة إلى الحفاظ على البيئة، وإطلاق المبادرات العملية لنشر الوعي البيئي، ومواجهة التغيرات المناخية، وندعو وسائل الإعلام، والمؤسسات التعليمية إلى نشر ذلك على قطاعات عريضة من المجتمع.
3. التشديد على ضرورة وفاء الدول الغنية والصناعية الكبرى بالتزاماتها تجاه الدول النامية حتي يتسني لها مواجهة الآثار السلبية الناجمة عن التغيرات المناخية من ناحية، والاتجاه نحو الطاقة المتجددة من ناحية أخرى. 
4. نشر ثقافة التعامل الإيجابي مع البيئة في أوساط الأطفال والنشء والشباب حتي يتشكل وجدانهم، ووعيهم، واتجاهاتهم السلوكية في اتجاه اعتبار الطبيعة جزءًا من التكوين الإنساني، وأن الحفاظ على البيئة واجب ديني وأخلاقي وإنساني، وفي هذا الخصوص نؤكد على أهمية التعليم، بما يحويه من مناهج وأنشطة متنوعة، وممارسة الفنون بشتى أنواعها، في توجيه وعي الأجيال الصاعدة إلى أهمية الحفاظ على البيئة.
5. التأكيد على أهمية تفعيل القوانين الخاصة بالحفاظ على البيئة، ومنع الاعتداء عليها بشتى الصور، مما يستوجب مراجعة العقوبات التي تنطوي عليها هذه القوانين، حتي تناسب المخالفة، كما وكيفًا، يأتي ذلك جنبًا إلي جنب مع التوسع في توعية المجتمع للحفاظ على البيئة.
6. يثمن المشاركون ما يقوم به الأزهر الشريف  والكنائس من مبادرات، وما ينتجه من خطابات دينية للحفاظ على البيئة، ويدعون إلى مزيد من العمل المشترك بين المؤسسات الدينية جميعًا، تأكيدًا على تطابق الرؤيتين الإسلامية والمسيحية في قضايا البيئة والتغيرات المناخية.