الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

عام من الإنجازات

نهال علام
نهال علام

أثبتت مواقع التواصل الاجتماعي حضورها القوي في حياتنا بقوة، شئنا أم أبينا علينا الاعتراف بأنها حاضرة، وفي تفاصيل حياتنا فاعلة، ولكن تأثير الفعل ورد الفعل مرهون بمقدار الوعي الشخصي للأفراد والجنوح النفسي لطبيعة الأخبار.

ولأن شرح الموضوع يطول، دون آفاق واعدة بالوصول لرأي قاطع أو رؤية نافذة، فالأهواء متباينة والأجواء مختلفة، مما يجعل الارتكاز على نقطة للاتفاق أمر ينطوي تحت طائلة النفاق، لذا سيكون سؤالي من منطلق حيادي، ولكن بادئ ذي بدء أنه من العدل رد الفضل لأهله، وما بدر في ذهني من طرح هو الابن البار لمواقع التواصل الاجتماعي،  ذات البعد اللا اجتماعي، ولك أن تصبغ السؤال بالفرح أو الترح والله شاهد أمنياتي ألا يوقظ هذا التساؤل جرح.

صِف عام ٢٠٢٢ في كلمة؟ سؤال منتشر كالنار في الهشيم على التطبيقات المختلفة، وإن تعددت صياغته والطرق الذي تدور بها صناعته، إلا إنه أحادي اللب فهو يستفسر عما يحمله القلب تجاه عام انصرم إلا أقل القليلا، لذا فلنعيد طرح السؤال ولكن ما دامت منصتنا فكرية، متنها الحروف وقوامها الكلمات، لذا يمكن الإجابة عن السؤال بالعديد من الكلمات الإنسانية والثقافية الجدلية، فلنستغل الفرصة ونستعرض بعض الوقائع الحقيقية، ونترك لتلك البديهيات المحققة أن تصف العام في نهاية الأمر بكلمة مدققة.

وأول تلك الحقائق أن عام ٢٠٢٢ هو عام غير مجرى التاريخ، فهو في صفحاته سيذكر أنه كان بمثابة نقطة تحول استثنائية وحمل عدداً من المفاجآت الغير عادية، بعد أن انطلقت كلمة السر  التي فتحت أبواب الغيبية وهي الحرب الروسية الأوكرانية.

بدا العام واعداً، بالفرص والوعود مزهراً، وبينما أيامه الأولى تمضي حبواً، وقبل أن يمر شهره الثاني مرتجلاً، دقت الحرب أوزارها فأصبحت أحداث العام تمضي قفزاً، ولكن لم تنجح تحدياته أن تمضي قدماً، نحو الآمال الواعدة وسقوف الأحلام الصاعدة، فيكفيها أن تعبر هاويات السقوط المدججة.

تلت الحرب أسرارها التي اعتقدنا أن مقابلتها بالتجاهل ستبطل أثرها، والتعامل معها بالتغافل سيدمر تأثيرها، ولكن ظلالها القوية ولفحاتها العصية حلت على رأس الكرة الأرضية، ولأننا جزء من الكوكب ودولة ضمن ما يربو على المائتين دولة تجاهد لتطفو من غمار الفيضانات الكارثية التي انطلق جنونها مع طلقات الصواريخ الغبية، فلا مجال ألا نعاني وأن ننجو فرادى مما يحدث فهو درب غير ممكن للأماني.

وبحسب وصف التقارير العالمية هو العام الأسوأ من بعد الحرب العالمية الثانية، فالشعوب لم تلتقط أنفاسها من مطرقة ڤيروس كورونا الذي طحن العالم اقتصادياً بسبب ظروف الغلق والعزل، وطبياً بعد ارتفاع فواتير الرعاية الصحية واستنزاف الأموال على المطهرات والكمامات، اللقاحات والوصفات الدوائية، وقبل أن تنقشع الغمة إذا بالحرب تأتي محملة بالفجائية.

أوروبا الباردة على صفيح ساخن بسبب نقص الطاقة، مما أدى لتضاعف فواتير التدفئة والكهرباء بأرقام جنونية، انعكست على قدرة المواطن في تلبية احتياجاته اليومية، أما دول أمريكا الجنوبية مثل البرازيل والمكسيك فمعدلات الجوع تضاعفت لأرقام خيالية، ولتكتمل الصورة القاتمة فإذا بالطبيعة أيضاً تنفس عن غضبها.

سيول وفيضانات، حرائق ونوبات جفاف مضطربة، تضرب العالم بمجون، تجعله يشبه العشب المطحون، فتتضاعف التأثيرات السلبية على سلل الغذاء العالمية، ويتأثر إنتاج الحبوب مما دفع دولة مثل الهند أن تراجع صادراتها الأرزية للعالم، الذي يعتمد عليها لتوفير ٤٠٪؜ من احتياجاته المتعلقة بمحصول الأرز.

وإذا انتقلنا لمصر تلك الدولة الواعدة ذات الفرص الاستثمارية الصاعدة، والتي تعد من أهم الاقتصادات الناشئة والتجربة أثبتت أنه أيضاً من الركائز الصامدة، نجد أنها تلقت الضربات العالمية العاصفة، وهي تتسلق جبل التحديات القاسية، والتي كانت في مصر ذات طبيعة خاصة، وإن كان الوباء عالمي والحرب دولية، ولكن سبق ذلك معاناة مِصر من ويلات الخِسة.

فاتورة إرهاب ثقيلة ظلت مصر تدفعها لسنوات طويلة، في معركة خاضتها منفردة ضد الإرهاب الذي فتحت له أبواب سيناء في استضافة إخوانية سخية لأذرعهم وأشباههم الدموية، وكل تلك الأحداث التصاعدية فرضت على مصر تحديات إضافية.

غلاء طاحن، وارتفاع غير مسبوق في الأسعار وذلك ظرف كوكبي ، ولكن حقيقة الأزمة تكمن في تجار بالغوا في استغلالها حتى تفاقمت دون لازمة، ويكفي أن نتابع تقارير الداخلية لحملاتها اليومية الإيجابية في ضبط الأسواق الاستهلاكية لتتعرف على كم الدونية البشرية، عدم التزام بالتسعيرة الجبرية، بيع خارج المنظومة التموينية، بضائع فاسدة لا تصلح للاستهلاك الآدمي، مصانع بئر السلم المخفية.

وبالرغم من كل المعوقات البشرية والخارجة عن الحدودية، إلا أن مصر أثبتت بجدارة أنها قادرة على مجابهة الصعوبات فلم تختفي من الأسواق سلعة، ولم تختلق في الأسواق أزمة، بل واجهت الحكومة تلك المحنة بالمزيد من الدعم للطبقات الأكثر احتياجاً، فزادت مظلة الحماية الاجتماعية بقرابة مليار جنيه شهريًا بالإضافة لتداعيات الزيادة السكانية وزيادة أسعار السلع، التي انعكس على ارتفاع دعم الخبز من ٥٠ مليار جنيه سنويًا لما يتجاوز ٧٠ مليار في الموازنة الحالية.

ولكن كما يقول خبراء علم النفس انظر لنصف الكوب الممتلئ، وخاصة إذا انسكب ذلك النصف دون حول منك ولا قوة، بلا شك كان عاماً مليئاً بالإنجازات الغير مسبوقة على كل الأصعدة في دروب كانت غير مطروقة.

فنجاح مصر في مجال الطاقة النظيفة جعلها قبلة استثمارية في ذلك القطاع، وقدرتها على اجتذاب اتفاقيات وشراكات حقيقية هو سبق باهر يدعو للقراءة الاستشرافية لعوائد تلك المشروعات المستقبلية، حتى أن وكالة فيتش العالمية وصفت مصر بأنها من أسرع أسواق الطاقة النظيفة نمواًً.

أما عن مشروع الرمال السوداء التي ظللنا لعشرات السنوات نسئ لتلك الثروة لذا تعد أيضاً من الإنجازات الاستثنائية وإن أضفنا لها خطط الدولة لإعادة النظر في التعامل مع الرمال البيضاء تكتمل الصورة دون ضبابية.

افتتحت مصر عدداً من المدن الحديثة والمحاور العمرانية التي ترسي ركائز الاستثمار الحنيفة، المنصورة الجديدة ومحور التعمير في الإسكندرية ومدينة العلمين الجديدة بالإضافة لقرب الانتهاء من العاصمة الإدارية لتعمل بكافة طاقتها.

إنجازات مبادرة حياة كريمة والمعجزات التي صنعتها في قرى بعيدة كل البعد عن مفهوم الحياة في أساسها دون القدرة على الحلم بكرمها، بالإضافة للانتهاء من الكثير من المشروعات السكنية للقضاء على المساكن العشوائية والغير آمنة إنجاز آخر للدولة المصرية، التي أقسم رئيسها على ألا يترك الشامتين يعايرونا بفقرنا.

مشروعات الاستصلاح الزراعي وزيادة الإنتاج من المحاصيل والحبوب والتي انعكست على انتشال الدولة من أزمة توقف السلاسل الغذائية، كما نجحت الدولة في التوسع باستنباط التقاوي الزراعية لما يزيد عن ١٩ من الأصناف الجديدة، مما فتح مجالًا للمزيد من الصادرات المصرية.

أما الطرق والمحاور الجديدة ورفع قدرة الطرق القديمة التي أدت إلى انخفاض الدماء على الطريق بنسبة ٥٠٪؜ فضلاً عن السيولة المرورية والتي كان من المفترض أن نشعر بها بشكل أكبر لولا الزيادة العددية التي تلتهم الوقت والأعصاب والطريق، سبع آلاف كيلومتر من الطرق وما يتجاوز ٨٠٠ كوبري ومحور لك أن تتخيل رحلتك اليومية دون تلك الحلول السحرية.

بذلت الدولة جهوداً حثيثة للقضاء على مشاكل الاستثمار وتقديم الدعم لكل الصناعات، وسط رؤية محققة للإدارة السياسية بتضاعف الصادرات في غضون أشهر قليلة، وجاءت المشروعات الصغيرة والمتناهية الصغر والمتوسطة على رأس اهتمامات الدولة، حيث بلغ عدد المنشآت للمشروعات المتوسطة والصغيرة والمتناهية الصغر ما يقارب أربعة مليون منشأة، بعدد مشتغلين يناهز عشرة مليون مشتغل، بإجمالي أجور وصلت إلى ١٢٠ مليار جنيه، بإنتاج بلغت قيمته ١.٢٣تريليون جنيه، وحقق قيمة مضافة إجمالية بلغت ٨٠٤ مليارات جنيه.

وإذا تطرقنا لعلاقات مصر الدولية، فلا جدال أنها استعادت ريادتها العالمية بعلاقات متوازنة وقوية مع كل دول العالم أجمع، فما حققته من آمالٍ للدول الأفريقية، ودورها الرائد في المصالحات الإقليمية، وقدرتها على إحياء الوحدة العربية وضعها في مصاف الدول الكبرى التي تصنع قراراً ملزماً وتلعب دوراً قيادياً ملهماً، راهنت عليه بروعة تنظيم مؤتمر المناخ الذي أناخ لها أنف ساسة العالم.

كان عاماً مليئاً بالستر، تلك هي الكلمة التي أستطيع أن أصِف بها ما مرّ من أيام، لُطف الله وكرمه وصدق وعده أن أدخلوها آمنين سيسبب لمصر أسباب الأمان والاكتفاء ليوم الدين، وسيمضي العام ونستقبل آخر، وقدرة الإنسان على التغيير محدودة مهما كانت إرادته لا محدودة، ولكن يظل أعظم تغيير واسع التأثير هو تغيير الأفكار التي ترسم الأقدار، فإذا لم نكن أصحاب كلمة على التداعيات العالمية فنحن فاعل في حروبنا الذاتية التي تتلخص في السيطرة على الزيادة السكانية، والعمل بإخلاص لزيادة معدلات الإنتاجية، وعدم الالتفات لحروب الشائعات النفسية، وكل عام ونحن في عزة وأمن وأمان.