الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

سلطان دولة التلاوة

منى أحمد
منى أحمد

إذا كانت القراءة بالعين تكشف المعاني والمفردات فان الأستماع لصوت الشيخ مصطفى اسماعيل يأتي لنا بالمعاني والمفردات ليرسخ فينا مقاصد الذكر الحكيم في كل مرة ,وصوت يأخذك ليحلق بك في عنان السماء,فتح رباني بينه وبين محبيه, فما يلبث أن يبدأ مرتلا حتي يصمت الجميع في حالة من التجلي والانتشاء.

ينطلق ويرتفع مستلهما الانتقالات والتلونيات الصوتية مع كل صيحة من مستمعيه، لذلك عندما ُطٌلب من الشيخ مصطفي إسماعيل أن يسجل للأذاعة أشترط أن يتم التسجيل وسط جماهيره, فالقرآن ُأنزل من الأعاليين لُيقرأ للناس وكانت تلك فلسفته وكأنه يستلهم أدائه الأرتجالي الخلاق من أهات محبيه.

كان الشيخ إسماعيل هو المقرئ الوحيد القادر على أعادة نفس الآية مرات عديدة بمسارات نغمية مختلفة تفاجئ آذان السامعين من سحر الأداء, وتجعلهم في حالة من الانبهار والترقب غير قادرين علي توقع ما في جعبة الشيخ ,الذي يأتي أحيانا بما يفاجئه هو شخصيا , فقد يضع لنفسه مسارات وانتقالات مقامية ,لكنها ما تلبث أن تتغير وفق حالته اثناء التلاوة, فيأتي الأرتجال بديعا ساحرا منتزعا  أهات الأعجاب. 

جاء أداء الشيخ مصطفي إسماعيل معجزا بكل ما تحمله الكلمة  فقد أعجز معاصريه وكل من جاءوا بعده, أمتلك ناصية صوته واسع المساحات ,وأجاد التجول  في مدارات أفلاكه النغمية , وأستطاع أن يمزج بين علم القراءات

وأحكام التلاوة وعلم التفسير وعلم المقامات بطريقته الخاصة جدا في التلاوة.
الخيال النغمي للشيخ هو سر أسراره , فكان أداؤه نهر لا تنضب ماؤها ,صوته يتدفق رقراقا مغردا من الطبقة الهادئة, منطلقا نحو مرحلة السلطنة بأداء عبقري وإبداع  يخطف الآذان ويأسر القلوب ليأخذنا إلي مرحلة اللا متوقع واللا معقول.

الشيخ مصطفي اسماعيل حاول أن يجمع بين القراءات المختلفة, في قالب فريد مستأثرا وحده عنان تجويده,   يطوف بين بساتين النغم , فيقطف من كل بستان زهرة يفوح عطرها من بين حروف التلاوة.  

حنجرته الذهبية الوهاجة بالزخارف الموسيقية المتعددة ,جعلته طائرًا يغرد خارج السرب لا يستطيع أحد اللحاق به  
كان قادرا في إلباس كل معني للمقام المناسب له, خارقا في قراءة  القرأن  الذي رتله  بأكثر من 19مقاما , مستشعرا جلال المعنى القرآنى , ناقلا لنا الصورة الذهنية البهية  لكل آية  فكان يستحضر حجة القرآن في صوته ,ويبثها في أفئدة المستمعين بالمقام الموسيقي المناسب للحالة التي نزلت من أجلها الآية,  لذلك ملك القلوب والعقول مثلما ملك عرش التلاوة. 

أقام  الشيخ اسماعيل جسر روحاني بينه وبين جمهور المستمعين بمختلف ثقافتهم من جميع الطبقات الأجتماعية, فسحرمريديه من عشاق صوته وهالة وجدانية تخرج أهات يقشعر لها البدن في كل قفلة للآية أعجابا وسلطنة , ولما لا فهو سلطان دولة التلاوة.

كان أول المقرئين و واحد من خمسة حصلوا علي وسام الأستحقاق  من الرئيس جمال عبد الناصر سنة 65 ,في أول عيد للعلم  جانب إلي جنب  مع طه حسين  فكري أباظة محمد عبد الوهاب أم كلثوم , فهو هرم من أهرامات مصر ,بني قلعة فريدة في دولة القراءات والتجويد باسمي وأرق وأجل الآلِئُ وحالة أستثنائية أستوعبت ما قبله واتت علي ما بعده.

وحالة قد لا تسع وصفها الكلمات , وعجزت عن تفسيرها التحليلات  فمن أي جعبة ساحرة أتى المتفرد مزمار السماء الشيخ مصطفى اسماعيل.