الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

من معركة موبيج إلى أمريكا.. المنطاد الصيني ليس الأول في عالم التجسس .. هذه أبرز مشاركات البالونات الطائرة في الاستخبارات والحروب

المنطاد الصيني
المنطاد الصيني

"دورك تجلس داخل تلك البلونة وتنظر على جيوش العدو، وتعرف أماكنهم، وحشودهم، وتكتب ما لديك في ورقة، وتلقيها إلينا بالأسفل وأنت بالأعلي، أو تضعها في رجل حمام زاجل، وتطلقها لتصل إلينا"، هكذا كانت التعليمات للجندى الفرنسي منذ 230 عاما، في أول استخدام للمنطاد كوسيلة للتجسس على العدو، في ظل عدم وجود وسائل التواصل والتجسس الحديثة، والتي وصلت إلى أقمار صناعية فائقة التطور، ولكننا فوجئنا في 2023، بأزمة منطاد تجسس صيني على أمريكيا فما القصة.

ويصبح التساؤل المشروع، هو مازال لتلك الأداة أهمية في عالم التجسس، وما هي قصة ما حدث بالغرب الأمريكي، وهل منطاد الأزمة هو ما نراه في الأماكن السياحية من بالون ويحمل صندوق يجلس به عدة أشخاص، أم الأمر مختلف، هذا ما يحاول هذا التقرير رصده من تاريخ تلك الوسيلة منذ النشأة وصولا إلى استخدامات التجسس، ثم الأزمة الحالية وحروب التجسس الصينية الأمريكية.

هذا ما حدث في أمريكا في نقاط

في البداية تلك ملخص الأزمة الحالية بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية:

• المنطاد حلّق فوق شمال غرب الولايات المتحدة حيث توجد قواعد جوية حساسة وصواريخ استراتيجية في ملاجئ تحت الأرض، وفق مسؤول الدفاع الأمريكي.

• مسؤول أمريكي: "من الواضح أن القصد من هذا المنطاد هو المراقبة، ومساره الحالي يقوده فوق عدد من المواقع الحساسة".

البنتاجون لا يعتقد أنه يشكل تهديدا استخباريا خطيرا، ونحن نقدّر أن هذا المنطاد له قيمة مضافة محدودة من منظور جمع المعلومات الاستخبارية".

• المنطاد دخل المجال الجوي الأمريكي منتصف الأسبوع الماضي والاستخبارات الأمريكية كانت تتعقبه قبل ذلك بفترة طويلة.

• سأل الرئيس الامريكي جو بايدن - وفق المسؤول الأمريكي - عن الخيارات المتاحة للتعامل مع المنطاد، ودارت مناقشات مع كبار مسؤولي البنتاغون. وقد أُرسِلت طائرات مقاتلة لتفحص المنطاد أثناء وجوده فوق مونتانا خلال إجراء المناقشات.

• قرار البنتاجون كان "عدم اتخاذ إجراء عملي بسبب الخطر على سلامة الأشخاص على الأرض وأمنهم، من جراء أي حطام محتمل".

• المنطاد كان يحلق على ارتفاع عالٍ بما يكفي لعدم تهديد الطيران التجاري.

تاريخ المنطاد يبدأ من فرنسا

كان الفرنسي جوزيف ميشيل أول من أتته فكرة المنطاد عندما أوحى إليه تصاعد الدخان من النيران بتلك الفكرة، وبعد ذلك قام جاك شارل بتعبئة المنطاد بالهيدروجين والارتفاع به إلى 3000 متر في الهواء والعودة إلى الأرض بعد طيران استغرق 35 دقيقة، وحتى اليوم لا توجد إلا وسيلتين للسيطرة على المنطاد فإذا ألقينا أكياس الرمل من المنطاد خف وزنه وارتفع وأمّا إذا جعلنا جزء من الغاز يتسرب فبذلك يهبط المنطاد.

ثم تطورت صناعة المناضيد عبر عدد من المهندسين، وتم استخدام الماتور في زيادة سرعته، وقد أدت إلى اختراع المناطيد بالتحكم، والتي نافست لمدة النقل الجوي بالطائرات وانتهت مع حادث تحطم كبير في 1937، حيث أدى الحادث إلى التخلي عن استعمالها في الطيران التجاري وبقيت استعمالاتها محصورة في المجالات الرياضية والعلمية، ولكن كان أول عبور للمحيط الهادي في منطاد بالغاز وبدون تحكم تم في 1978، وفي 1999, قام كل من بارتراند بيكارد وبراين جونس بالدوران حول الأرض بدون توقف في حوالي 19 يوما.

موبينج .. أول استخدام عسكري واستخباراتي للمنضاد

ويرجع تاريخ أول استخدام مخابراتي وعسكري للمنضاد إلى عام 1793، حيث كان الجيش الفرنسي يستخدم المناطيد في أغراض الملاحظة العسكرية والاستطلاع وفي أثناء معركة موبيج كان أحد المراقبين يتخذ مكانه داخل سلة منطاد مثبت إلى الأرض ليراقب تحركات القوات النمساوية ويكتبها في ورقة ويرسلها إلى الأرض.

وفي عام 1794 لعب المنطاد دورا هاما في انتصار الفرنسيين في معركة فلوري وبعد ذلك بقليل كانت كل الجيوش الأوروبية تمتلك منطادات، وتستخدم المناطيد حاليا في الأرصاد الجوية فمن خلالها يمكن تحديد سرعة واتجاة الرياح، وفي بداية الحرب العالمية الأولى تم الاستيلاء على جميع المناطيد الألمانية المدنية لاستخدامها في الأغراض العسكرية وكانت تعمل في خدمة سلاح المناطيد البحري الألماني.

مناطيد التجسس ثورة في تطوير المركبات المرتفعة

ولكن ونحن في زمن الأقمار الاصطناعية المتقدمة للغاية إلى درجة تصوير ما هو أصغر من السيارة، تبدو مناطيد التجسس وكأنها أثر قديم، لكن وجهة النظر هذه غير دقيقة، فقد كانت مناطيد التجسس أداة بارزة في المراقبة الجوية خلال الحرب الباردة، ولكن مناطيد التجسس ليست سوى جزء من "ثورة" تطوير واستخدام مركبات تحلق على ارتفاعات شاهقة، فيكفي أن نشير إلى أن بريطانيا قد استثمرت ملايين الدولارات في برنامج لتطوير مناطيد التجسس العام الماضي فقط.

ومناطيد التجسس هى بالونات خفيفة الوزن، مليئة بغاز الهيليوم، وملحق بالبالون معدات تجسس مثل الكاميرا البعيدة المدى، ويمكن إطلاقها من الأرض إلى الجو، حيث يمكنها التحليق على ارتفاع 18 ألف متر، أي فوق المسار المخصص للطائرات التجارية، وفي منطقة تعرف بـ"القريبة من الفضاء"، ولدى التحليق في الجو، تستخدم هذه المناطيد مزيجا من التيارات الهوائية وجيوب الهواء المضغوط، التي يمكن أن تكون شكلا من أشكال التوجيه.

لماذا هي مهمة في زمن الأقمار الاصطناعية؟

وفقا للمحلل الأمني والدفاعي، البروفيسور مايكل كلارك، فإن أكبر ميزة لدى مناطيد التجسس تجعلها أفضل من الأقمار الاصطناعية هي أنها قادرة على دراسة منطقة لفترة زمنية أطول، وأضاف أنه يمكن لهذه المناطيد البقاء فوق منطقة ما لفترة طويلة، وتابع: "بسبب الطريقة التي تدور بها الأرض، فما لم يكن القمر الاصطناعي فوق خط الاستواء، فأنت بحاجة إلى 3- 5 أقمار اصطناعية لتتبع بقعة معينة طوال الوقت.

وأردف: "هذه البالونات رخيصة نسبيا، وأسهل بكثير للإطلاق مقارنة بالأقمار الاصطناعية، وعلى الرغم من الاستخدام الواسع لتكنولوجيا الأقمار الاصطناعية، تركز دول عدة من بينها بريطانيا على تطوير مركبات تجسس تحلق في الغلاف الجوي العلوي، وفي أغسطس الماضي، أعلنت وزارة الدفاع البريطانية إبرام صفقة تزيد عن 120 مليون دولار مع شركة أميركية، من أجل تزويدها بمناطيد غير مأهولة للمراقبة والاستطلاع.

"منضاد عملاق وهذا موقفنا" .. الولايات المتحدة الأمريكية

وبالعودة إلى الأزمة الحالية، نجد أن الولايات المتحدة الأمريكية تقول إن المنطاد المرصود، يبلغ حجمه ما يوازي 3 حافلات، ورُصد يحلق فوق الشمال الغربي للولايات المتحدة، بما في ذلك ولاية مونتانا، التي تحتضن منشآت نووية عسكرية، وقال مسؤول دفاعي أميركي كبير إن واشنطن "واثقة للغاية" من أن المنطاد الصيني الذي يحلق على ارتفاع شاهق، كان يطير فوق مواقع حساسة بغية جمع المعلومات، وأكدت وزارة الدفاع الأميركية (بنتاغون)، ظهر الجمعة، أن منطاد تجسس صينيا تحرك شرقا وحلق في أجواء وسط الولايات المتحدة، فيما قالت بكين إن المنطاد "لا يستخدم للتجسس".

ووفقا لحاكم مونتانا الجمهوري، فإنه لم يتم إطلاعه على توغل المنطاد الصيني حتى وصل لأميال عديدة داخل الولاية، وبالتحديد إلى بيلينغز، أكبر مدن مونتانا، ولقد حلق بالفعل بالقرب من قاعدة مالمستروم الجوية وصوامع الصواريخ البالستية العابرة للقارات.. وحين تم إخباري بالأمر، كان المنطاد يحلق فوق أكثر مدننا اكتظاظا بالسكان، ومن الواضح أن المنطاد كان هناك منذ فترة، فهو لا يتحرك بسرعة كبيرة".

منضاد مدنى للأبحاث وليس هناك أزمة

ولكن قامت الصين بتقليل أهمية إلغاء زيارة وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، وقالت الخارجية الصينية في بيان، صباح السبت "في الواقع، لم تعلن الولايات المتحدة والصين مطلقا عن أي زيارة، وقيام الولايات المتحدة بأي إعلان من هذا القبيل هو شيء يخصها، ونحن نحترم ذلك"، وتقول الخارجية الصينية إن المنطاد "مدني" ويستخدم للأبحاث، لاسيما أغراض الأرصاد الجوية، وورد في بيان الوزارة أن للمنطاد قدرة توجيه محدودة وأنه انحرف عن مساره المخطط له بسبب الرياح.

كان من المقرر أن يزور بلينكن بكين يوم الأحد، لإجراء محادثات تهدف إلى الحد من التوترات بين الولايات المتحدة والصين، وهي أول زيارة رفيعة المستوى من نوعها بعد اجتماع قادة البلدين في نوفمبر الماضي في إندونيسيا. لكن الولايات المتحدة ألغت الرحلة فجأة بعد اكتشاف المنطاد الضخم، على الرغم من ادعاء الصين أنه كان مجرد منطاد لأبحاث الطقس خرج عن مساره.

تاريخ مواجهات التجسس بين أميركا والصين

ويبدوا أن أجهزة الاستخبارات في كل من الولايات المتحدة والصين تتنافس لكشف الأسرار بعضها البعض، ولحماية أسرارها؛ سعيا وراء مزايا عسكرية واقتصادية وتكنولوجية، في الوقت الذي شهدت العقود الماضية على العديد من الجواسيس من الجانبين، وبالأساس، تقوم عمليات التجسس على الخداع والتمويه بهدف معرفة أسرار العدو أو الخصم لتحقيق أهداف سياسية أو عسكرية أو اقتصادية، وجمع المعلومات بهدف اتخاذ إجراءات احترازية تحد من حجم المخاطر.

ورصد مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية الذي يتخذ من واشنطن مقرا له، قرابة 160 حالة تم الإبلاغ عنها علنا من التجسس الصيني الموجه إلى الولايات المتحدة منذ عام 2000، وقد كان 42% من هؤلاء الجواسيس موظفون عسكريون أو حكوميون صينيون، فيما كان 32% مواطنين صينيين، ومن كان غير صيني مثل 26%، وجاءت الحوادث المرصودة للحصول على تقنيات تجارية في المرتبة الأولى بواقع 51 %، ثم المتعلقة بالتجسس السيبراني بواقع 41% ثم للحصول على التكنولوجيا العسكرية في المرتبة الثالثة.

أبرز قضايا الألفية الجديدة

• يوليو 2004: حصل يان مينغ شان، الموظف الصيني في شركة برمجيات أميركية تعمل على تطوير تقنية استشعار الأرض لشركات النفط، على وصول غير مصرح به إلى نظام الكمبيوتر الخاص بالشركة، وحاول إعادة تلك التكنولوجيا الحساسة إلى الصين.

• أكتوبر 2005: جمع عدد من عملاء المخابرات الصينية معلومات تقنية بشأن تقنيات السفن الحربية الحالية والمستقبلية التابعة للبحرية الأميركية، وكانوا يعتزمون إرسالها إلى الصين.

• أبريل 2006: تسلل قراصنة صينيون إلى شبكات "ناسا" التي تديرها "لوكهيد مارتن" و"بوينغ"، وسرقوا المعلومات حول برنامج مكوك الفضاء ديسكفري.

• يونيو 2007: اخترق قراصنة صينيون مشروعًا للبنتاغون وسرقوا البيانات المتعلقة بالطائرة المقاتلة "إف-35".

• مايو 2008: قام صينيون بإدخال برنامج تجسس على الكمبيوتر المحمول الخاص بوزير التجارة الأميركي السابق، كارلوس جوتيريز، خلال مهمة تجارية.

• أغسطس 2012: حاول العميل السابق لوكالة المخابرات المركزية "جيري لي"، تزويد الصين بمعلومات سرية حول أنشطة وكالة المخابرات المركزية داخل الصين، وحُكم عليه بالسجن 19 عاما.

• مايو 2014: أعلنت وزارة العدل الأميركية أن هيئة محلفين فيدرالية كبيرة وجهت لائحة اتهام ضد 5 من ضباط جيش التحرير الشعبي لسرقة معلومات تجارية سرية وملكية فكرية من الشركات التجارية الأميركية وزرع برامج ضارة على أجهزة الكمبيوتر الخاصة بهم.

• أغسطس 2020: القبض على عميل سابق لـ"سي أي إيه" ألكسندر ما، تجسس لصالح بكين حيث قدم للاستخبارات الصينية معلومات سرية وكشف عملاء واشنطن.

• يوليو 2021: اتهمت الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي وحلفاؤها، الصين باستخدام متسللين متعاقدين لإجراء حملة تجسس إلكتروني عالمية مستمرة، تتضمن هجمات برمجيات الفدية والابتزاز الإلكتروني وسرقة العملات المشفرة.

• أكتوبر 2022: كشفت وزارة العدل الأميركية عما وصفته بأنه عملية تجسس كبرى حاولت الحكومة الصينية تنفيذها عبر 13 شخصا، بينهم 10 يعملون مباشرة لمصلحة المخابرات الصينية، تتضمن تهريب أشخاص ومعدات من مؤسسات أميركية.