الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

الإسراء والمعراج معجزة كبرى

د. صفوت عمارة
د. صفوت عمارة

تُعتبر معجزة الإسراء والمعراج أكبر الآيات وأعظم المعجزات الحسيّة التي كرَّم اللَّه بها نبيه محمدًا صلَّي اللَّه عليه وسلَّم، واصطفاءً له ولأمته على العالمين؛ فخفف بهما ألمه، وأذهب حزنه، وأعلى شأنه، ورفع منزلته وأراه من آياته الكبرى؛ فكان قاب قوسين أو أدنى.

معنى الإسراء والمعراج:
يُعرف الإسراء بأنّه انتقال النبي صلَّي اللَّه عليه وسلَّم ليلًا من المسجد الحرام في مكة المكرمة إلى المسجد الأقصى في بيت المقدس بروحه وجسده معًا راكبًا على دابة تسمى البُراق، بصحبة جبريل عليه السلام، وهناك صلَّى إمامًا بالأنبياء، وأمّا المعراج فهو ما أعقب رحلة الإسراء من إصعاده صلَّى اللَّه عليه وسلَّم إلى السماوات العُلى، وظل يصعد فيها حتى وصل إلى السماوات السبع، وهناك رُفع إلى سدرة المنتهى وبعدها إلى البيت المعمور، حيث فرضت الصلوات الخمس، ثم عودته مرة أخرى إلى المسجد الأقصى، ومنه إلى المسجد الحرام حيث رجع النبي صلَّي اللَّه عليه وسلَّم إلى مكانه، وكان ذلك كله في فترة قصيرة من الليل.

سبب الإسراء والمعراج:
تسريةً عن قلب رسول اللَّه الحزين وفؤاده الجريح، بعد أنّ تعرَّض لعدة محن وابتلاءات؛ فتعرَّض لحصار خانق لمدة ثلاث سنوات، ثم فقد السند عمه أبو طالب، وزوجه خديجة بنت خويلد، اللَّذين كانا يُؤانسانه ويُؤازرانه؛ فلقِّب هذا العام بعام الحزن، وبعد ما لاقاه من أذى أهل الطائف عندما توجه اليهم لنشر دعوته إلا أنهم كانوا أكثر غلظة فطردوه وسلطوا عليه صبيانهم وغلمانهم يرمونه بالحجارة فآذوه أذى شديد حتى سال الدم من قدمه الشريف؛ فأتى ظل شجرة، وصلى ركعتين ثم دعا ربه وقال: «اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس، يا أرحم الراحمين! أنت رب المستضعفين وأنت ربي إلى من تكلني؟ إلى بعيد يتجهمني؟ أم إلى قريب ملّكته أمري؟ إن لم يكن بك عليّ غضب فلا أبالي ولكن عافيتك هى أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا و الآخرة من أن تنزل بي غضبك أو يحل عليّ سخطك لك العتبى حتى ترضى ولا حول ولا قوة إلى بك»؛ فواساه اللَّه سبحانه وتعالى بهذه الرحلة المباركة.

وقت الإسراء والمعراج:
تعدّدت آراءُ عُلماء السِّير في تحديد وقت الإسراء والمعراج، وأرجح هذه الأقول أنَّ الإسراء والمعراج وقع في ليلة سبعٍ وعشرين من شهر رجبٍ من السنة الثانية عشرة للبعثة قبل الهجرة إلى المدينة المُنورة بسنة، وبعد معاناة النبي صلَّي اللَّه عليه وسلَّم في رحلته إلى الطائف، وهو المعتمد من أقوال العلماء سلفًا وخلفًا وحكاه كثيرٌ من الأئمة واختاره جماعةٌ من المحققين، وهو ما جرى عليه عمل المسلمين قديمًا وحديثًا.

الإسراء والمعراج معجزة ثابثة:
تُعدُّ الرحلة الأرضية؛ «الإسراء» التي تمت بقدرة اللَّه في سرعة تتجاوز الخيال، ثم الرحلة السماوية؛ «المعراج» والارتفاع والارتقاء من عالم الأرض إلى عالم السماء، حيث سدرة المنتهى من مُعجزات نبينا محمدًا صلَّي اللَّه عليه وسلَّم، المُتواترة الثابتة بنص القرآن الكريم في سُورتي «الإسراء» و«النَّجم»، وبأحاديث السنة النبوية المطهرة في الصحيحين والسُّنن والمسانيد ودواوين ومصنفات السُّنة، والتي انعقد على ثبوت أدلتها ووقوع أحداثها إجماع المسلمين في كل العصور؛ فقد تواترت الروايات في حديث الإسراء عن عشرين صحابيًّا، بما لا يدع مجالًا لتشكيك طاعن، أو تحريف مُرجف، ولقد تحدث القرآن عن الإسراء صراحةً في قوله تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الإسراء: 1]، وتحدث القرآن عن المعراج ضمنًا في قوله تعالى: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى} [النجم: 1-18].

موقف الناس من الإسراء والمعراج:
عندما عاد النبي صلَّى اللَّه عليه وسلَّم من رحلته شرع بإخبار الناس عنها وعما شاهد فيها، فكانت هذه الرحلة فتنة لضعيفي الإيمان فارتدوا عن الإسلام، وكذبوا النبي في كل ما قاله عن رحلته، أما المؤمنين الصادقين الثابتين في إيمانهم، زادت الرحلة من إيمانهم وتثبيتهم على الحق.

كيفية الرد على منكرى الإسراء والمعراج:
إنّ العقل البشري محدود مهما كانت إمكاناته التأملية وطاقاته الفكرية وقدراته الذهنية، ومن ثمَّ فليس لعقولنا القاصرة أن تبحث البحث الجاري والمعتاد في قوانين الأرض بمقاييس وآليات البشر، لنحاول فهم قوانين اللَّه سبحانه وتعالى وأفعاله؛ فإذا جاء النص القرآني بحدث، فعلينا الإيمان به لأنه ورد من اللَّه، وقد بدأ اللَّه تعالى الكلام عن الإسراء بقوله: {سبحان}، وتعني التنزيه المطلق للَّه سبحانه وتعالى، فإذا صدر الفعل من اللَّه فيجب أن أنزهه عن فعل البشر، لأن العقل البشري محدود، مهما كانت إمكاناته التأملية، وطاقاته الفكرية، وقدراته الذهنية؛ فلا يستطيع العقل أن يفهم كل قضايا الكون من حوله، لأن هناك كثيرًا من الأمور والأحداث التي وقف فيها العقل ولم يفهم حقيقتها، ثم إنه مع مرور الزمن وتقدم العلوم رآها تتكشف له تدريجيًّا، فما شاء اللَّه أن يُظهره لنا من قضايا الكون يسَّر لنا أسبابه باكتشاف أو اختراع، ولأجل ذلك فإن كوكب الأرض الذي نعيش فيه هو كوكب «معلوم مجهول»، أي معلوم بما استطاع العقل البشري أن يصل إليه من علم ومعرفة، وهو أيضا كوكب مجهول بما لم نصل إليه بعد من خزائن الأسرار والمعارف والعلوم التي أودعها اللَّه في الكون.
وفي ذلك قال الشيخ الشعراوي رحمه اللَّه: كل وسيلة إدراك لها قانونها، وكذلك العقل، وإياك أن تظن أن عقلك يستطيع أن يدرس كل شيء، ولكن إذا حُدثت بشيء فعقلك ينظر فيه، فإذا وثقته صادقًا فقد انتهت المسألة، وخذ ما حُدثت به على أنه صدق، وهذا ما حدث مع الصِّديق أبي بكر حينما حدثوه عن صاحبه سيدنا رسول اللَّه وأنه أُسري به من مكة إلى بيت المقدس، فما كان منه إلا أن قال: «إن كان قال فقد صدق»، فالحجة عنده إذن هي قول الرسول، وما دام الرسول قد قال ذلك فهو صادق، ولا مجال لعمل العقل في هذه القضية، ثم قال: «كيف لا أُصدقه في هذا الخبر، وأنا أصدقه في أكثر من هذا، أصدقه في خبر الوحي يأتيه من السماء».

الإسراء والمعراج كان بالروح والجسد:
اتفق جمهور العلماء، على أنّ الإسراء حدث بالروح والجسد؛ لأن القرآن صرَّح به؛ لقوله تعالى: {بِعَبْدِهِ} والعبد لا يطلق إلا على الروح والجسد، وأما المعراج فقد وقع خلاف فيه هل كان بالجسد أم بالروح، وجمهور العلماء من المحققين على أن المعراج وقع بالجسد والروح يقظة في ليلة واحدة، وما يراه بعض العلماء من أن المعراج كان بالروح فقط أو رؤيا منامية فإن هذا الرأي لا يعوَّل عليه؛ لأن اللَّه عزَّ وَجلَّ قادرٌ على أن يعرج بالنبي صلَّى اللَّه عليه وسلَّم بجسده وروحه، كما أسرى به بجسده وروحه.. أسأل اللَّه أنّ يرزقنا صلاةً في المسجد الحرام، وسجدةً في المسجد الأقصى.