الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

منى أحمد تكتب: الساحر يوسف إدريس

منى أحمد
منى أحمد

اختزل يوسف ادريس بحر القصة القصيرة  للامحدود في قطرة , فكان كالحاوي كما وصف نفسه ومكانة متفردة لم يصل إليها أحد في عالم القصة القصيرة الأصعب كتابةً وتكنيكاً , فأعطاها روحا جديدة ونقلها من موقعها الصغير الي أفاق أرحب. 

تفرد ادريس في رسم الشخصيات وكأن تخصصه في الطب النفسي جعل له بصيرة تنفذ إلى دواخل النفس البشرية, ليعيد قراءتها ورسمها ببراعة شديدة الوضوح معبرا عن مضمونها والتغيرات المجتمعية التي تمر بها ,ويعيد تقديمها في صياغة جمالية ناعمة وهي الرؤية الإبداعية الواقعية المتفردة التي أحدثت ضجة في الأوساط الأدبية المصرية والعربية مع اول مجموعاتة القصصية في 1954 أرخص ليال. 

كانت مجموعاته القصصية في مجملها تشكل بانوراما واسعة لفئات المجتمع المصري المختلفة ,حيث التقط نماذج  كانت  أغلبها مطحونة  وتحمل قدراً كبيراً من المعاناة , حيث انحيازاته الأجتماعية وأفكاره الثورية التي تاتي انعكاس صادقا لرقة مشاعر الاديب التي تهتز للضعف الإنساني. 

ومن الضعف الانساني أستطاعت أعمال يوسف ادريس أن تصل بالقصة العربية الي العالمية ’ من خلال أعمال شديدة المحلية وكانت المعادلة الصعبة التي نجح في  فك طلاسمها  بابداع شديد التفرد.

وليس هناك ابلغ من رواية الحرام  التي أستطاع  سعد الدين وهبة كاتب السيناريو والحوار أن ينفذ إلى جوهر رؤية يوسف إدريس , ونجح المخرج هنري بركات في ترجمة العمل الأدبي وتوظيف كافة أدواته بدءا من الأبطال عزيزة التي جسدتها الفنانة فاتن الحمامة باتقان الي الزوج عبدالله مرورا  بناظر الزراعة وشخوص مرسومة بدقة شديدة حتي الموسيقى التصويرية التي استخدمت الآلات الشعبية أضافت إلى الصورة  بعدا وعنصراً جمالياً  ,جعل المشاهد يعيش الحدث مع شخوصه ليقدم الفيلم بانوراما رائعة لحياة عمال التراحيل بلا خطابة أو ثرثرة مبرزاً أشد اللحظات الدرامية في حياتهم. 

وعندما وقع الاختيار علي فيلم الحرام  للعرض بمهرجان كان السينمائي الدولي عام 1965 , حاز على إعجاب النقاد وروت فاتن الحمامة مفارقة تختصر مكانة هذا المبدع , فقالت أثناء العرض في كان لاحظت بكاء3 سيدات من جنسيات مختلفة, وهو ما دفعها إلى سؤال أحداهن عن سر البكاء والتأثر ببطلة الفيلم وهي من بلاد بعيدة وواقع مختلف تماما ,فاجابتها أن كاتب هذة الرواية قدم حالة انسانية وجدانية متفردة فالغي بها حواجز اللغة والزمان والمكان وتوحدت مع عزيزة  وتأثرت بها أكثر من تأثري بحالات ونماذج انسانية اعرفها .

ورغم مكانة ادريس الأديبة خاض معارك كبيرة لارائه الجرئية ومنهجه السياسي والادبي , اثرت عليه وقد روي الكاتب السويدي شل اسبمارك احد الاعضاء المسؤلين عن الاختيار النهائي للفائزين بجائزة نوبل في حديث له , ان سياسيا سويديا كان في زيارة للقاهرة واقترح علي يوسف ادريس ان يقتسم جائزة نوبل مع كاتب اسرائيلي الا انه غضب وصرخ معلنا رفضه.

انتاج ادبي تعدي الثمانمائة قصة الا ان السينما المصرية لم تقدم سوي عشرة منها ربما لوحشية عالم يوسف إدريس القصصي وتعريته الصريحة للمجتمع المصري فقد تميزت كتاباته بالجرأة الشديدة.
يوسف ادريس واحد من حراس الهوية المصرية وعبقري من عباقرة الأدب المصري والعربي الذين سيبقي عبق انتاجهم مشكلا للوعي الجمعي لعقود قادمة .