الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

نهال علام تكتب: الفكر القطبي ( 2 )

نهال علام
نهال علام

وتمُر السنون ويصل الإخوان للحُكم ويصيبهم الجنون، بعد اعتلاء سلم الديمقراطية حطموه وبعثروا نشارته فوق رؤوس عاصري الليمون الذين انتخبوهم هرباً ممن اسموه بالفلول، وما أوصل الإخوان للرئاسة هو ما أنهى مسيرتهم ببسالة، فالموجة الثورية التي ركبوها في يناير افتراءاً وبعد تأكدهم التام من ترنح حُكم مبارك وأصبح ذلك واضح كوضوح الشمس نهاراً، كانت أول من انقلب عليهم جهاراً بعد استئثارهم بكحكة السلطة انفرادا، والبقية معروفة من الشعب الذي لم يطق ممارساتهم المهووسة والتبعية العمياء لمرشدههم وسيطرته عليهم كما تقاد الجاموسة.

والتاريخ يشهد أن الإخوان لم يكونوا يوماً ثوار، هم كالأفعى التي تلدغ دون مواجهة، قادر على رفع السلاح بسهولة والفرار لكن لا يستطيع مناقشة قرار، فطوال فترة تولي مبارك لم يعارضوه وارتضوا الموائمة الخفية بالاكتفاء ببعض الوجاهة الحزبية والكثير من التجارة والأرباح المالية، فيما عدا تلك المرة الي تخيل فيها خيرت الشاطر أن يستعرض ميليشياته أمام جامعة الأزهر ليحقق أحد أحلام مراهقته المتأخرة في أن يكون وزير لجهة أمْنية سلطاتها طائلة ولو قعت في يده سيجعلها باطشة، ومن بعد تلك الواقعة تاب توبة غير نصوحة وأناب حتى يجد الأجواء المسموحة، وجائت اللحظة المرتقبة وفُتح الميدان الذي أخرج القوارض من البالوعات التي ركنوا إليها على مدى عقود.

لذا ترنح نظام الإخوان وهوى لنقطة ما قبل البداية، ولكن يجب أن ننتبه دائماً أن ذلك لا يعني انتهاء الحكاية، وإن تبرأ الجميع من الجماعة، حيث انسلخت حماس منها على سبيل المثال في 2017 بعد إدراجها على قوائم الإرهابيين في دول عديدة وحذفت من وثيقة المبادئ والسياسات العامة بند يشير إلى أنها فرع منها، وفي ليبيا غيرت الجماعة اسمها للإحياء والتجديد، ومنذ أيام رأينا الرئيس التركي في مصر وذلك برهان التملص من تاريخهم المتقلص ولا نملك إلا التصديق أنها مراجعة حقيقية ولو كانت ظاهرية، لكن يظل الحذر واجب لأن دورهم الان أخطر على المعنويات الشعبية، يحتمون خلف اللجان الإلكترونية وينشرون سماً وفساداً وإحباطا عسى الله أن يرده إليهم بدل الصاع عشرة لأنهم ليسوا أهل ولا عِشرة، هم عشيرة تمتاز بأخلاق القطيع في الحظيرة.

واليوم في الأزمة الأخيرة التي اصطف كل أبناء الوطن لمواجهتها كلٌ في موقعه، من ربة المنزل بالتدبير والاقتصاد وحتى الجندي على الحدود الذي يقدم روحه ويتعامل مع الكفن وكأنه بدلة الفرح، الكُل يتعامل بحكمة وانضباط إلا دعاة الفوضى وأبواق العواء والكلامُ في الهواء الذي يشبه العيار الطائش الذي يزعج وإن لم يخدش، كم من الكراهية والحقد مرعبة، غل بصورة مخجلة، وكل ذلك سكرات موت آثم حيث ذنبه يلاحقه وعلى صدره جاثم، ولكن الفرق هنا أن باب التوبة لازال مفتوح ويمكنهم الرجوع عن هذا الطريق الذي بالفرقة محفوف، فلا مستقبل لهم ولا تقبل لأفكارهم إلا بالاندماج مع أبناء وطنهم وتقديس ترابه.

أعلم أن هذا وصف حالم وهؤلاء ربنا بقدر  شر قلوبهم عالم، ولو تمكنوا لن يخرج أحد من تحت أيديهم سالم، فلا زالوا عبدة لأفكارهم العتيقة ولم تقم الجماعة بأي مراجعة فكرية أو تنظيمية منذ نشأتها لليوم، وبالرغم من أنها وضعت السلاح في عهد مبارك، إلا أن تلك هي الفترة الاستثنائية في عُمر الجماعة، فهي جماعة دينية ترغب في اقتحام الحياة السياسية ولكن بمرجعية تشددية لا تعترف بالقواعد القانونية والدستورية والمدنية، والدليل على ذلك سيطرتهم على برلمان 2011 بانفراد يمهد لهم الأرض للوصول للرئاسة بعد ذلك، ثم الانفراد الكامل بالدستور والقانون والعمل على أخونة مفاصل الدولة وبث الفرقة، وخيانة الوطن وزرع الحُرقة في قلوب الأمهات الثكلى على أبنائهم من أبطال الجيش والشرطة.

المبادئ القطبية هي دستورهم الحاكم، بدءاً من مبدأ "العزلة الشعورية" أي أن يعزل فرد الإخوان نفسه تماماً عن المجتمع الذي يعيش فيه وكأنه ليس منه حتى يظل بعيدا عن التعاطف فيستطيع الاحتفاظ بقوته وقدرته التنظيمية، فالنظام المغلق الذي لا يسمح لأي مواطن بالانضمام إليه إلا بعد سنوات طويلة من التربية على عقائدهم ومعاييرهم التي ينسبونها للدين، ومن ثم يصبح الانضمام لهم بمثابة شأن كبير تثمنه الجماعة بتقديم مصالح أفرادها على الناس أجمعين وليذهب الكل للجحيم ولن ننسى "الطُز" الأشهر التي قالها مرشدهم في حق الوطن.

أكتب سطور هذا المقال ليس لإعادة إنتاج حكايات مرّت عليها سنوات، ولكن للتوعية بنوايا لجانهم وأن من خلفها يأمل لحظة أو بعض لحظة يترنح فيها الوطن لينقض مرة أخرى مدعوماً بتبعيته للرعاية الاميريكية والحنان الصهيوني، كما يجب ألا ننسى ما قامت به تلك الجماعة الإرهابية التي اعتنقت الجهاد طول مسيرتها التي قاربت على المئوية لكنها لم تلقي يوماً نبلة على الصهاينة، بل كان خطاب رئيسهم الخاص باعتماد السفير المصري الجديد في إسرائيل عاطف سالم، والذي سلمه للرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز في السنة السوداء التي تولوا فيها حكم الجمهورية وافتتح النص بعبارة " إلى صاحب الفخامة السيد شيمون بيريز رئيس دولة إسرائيل"، ثم اعقب ذلك بوصف شاعري رقيق "عزيزي وصديقي العظيم" كما احتوى النص على رغبة مرسي المخلصة في تطوير علاقات المحبة التي تربط البلدين، وتعهد أن يبذل السفير الجديد صادق جهده، طالباً من بيريز أن يشمله بعطفه وحسن تقديره، وختم الخطاب بعبارة "صديقكم الوفي محمد مرسي"!!

لم تقدِم الجماعة إلا التحريض الممنهج لإضعاف الجبهة الداخلية والنيل من استقرار الوطن، والآن لا زالت على مبادئها بالإثارة دون حرارة المبادرة، ولا التزام الموضوعية بالاعتراف بما قامت به الدولة المصرية من جهود مضنية على مرّ التاريخ لحل القضية الفلسطينية، فماذا قدم الإخوان إلا ذراع لهم بطش بهم وإن تبرأ منهم فهو ينتمي وجدانياً إليهم وتسبب بخراب وضياع غزة وخلف آلاف الشهداء ومئات الآلاف من الجرحى، وشعب مشرد وجائع ومريض، فماذا بعد!
كما قبل… أن ننتبه للسم المدسوس على صفحاتهم والتي تعمدوا وضع علم مصر كصورة لحساباتهم كتمويه عن حقيقتهم، فوعي المصريين الذي لم يسمح لهم بالحكم إلا أيام معدودة، لن يسمح مرة أخرى بأن تقوم لهم قومة.