بين إشراق فجر جديد وغروب ليل طويل، هناك دائمًا فرصة لخلق بداية جديدة، فرصة لنفض غبار الماضي وأوجاعه، ولابد أن نصنع تلك البدايات بأنفسنا، نحتاج أن نتعلم كيف نحيا بالحاضر بكل ما فيه، لحظة بلحظة، وكأنه هدية، لأن هذه اللحظة هي كل ما نملك حقًا..
"لا توجد سعادة في الهروب من المشاكل، السعادة تأتي من مواجهتها"، هكذا وصف مارك مانسون طريق الفرح الحقيقي. أن نتعلم فنون السعادة لا من خلال الهروب أو اللامبالاة المطلقة، بل من خلال التوازن والفهم العميق لأهمية اختيار المعارك التي تستحق الاهتمام.
فن السعادة في عدم الاكتراث بالأمور كثيرًا، في الحقيقة، نحن غالبًا ما نعاني ليس بسبب المشكلات بحد ذاتها، بل بسبب الطريقة التي نسمح بها لتلك المشكلات بالتأثير على نفوسنا. كما يقول مارك مانسون في كتابه فن اللامبالاة: "مواجهة المخاوف والحزن وتجاوزها هو ما يولد السعادة، وليس تجنبها." إنه فن أن تختار ما يهمك وتترك الباقي. اللامبالاة ليست قسوة، بل هي فن غربلة الأمور وإعطائها حجمها الطبيعي، ثم نعيش بعيدًا عن التوتر والقلق. الاعتدال دائمًا هو سيد المواقف، إن لنفسك عليك حق، لن يهتم أحد بما تمر به بقدر اهتمامك أنت بنفسك، لذلك اجعل سلامك الداخلي أولوية.
لا تأخذ درب النصح مدخلاً لاكمال النقص بداخلك ومحاولة لزعزعة ثقة الاخرين بنفسهم، فقط كن هين لين طيب الكلام، حدثني صديق مرة، قال لي: "لم أعد أحتمل الحياة. أريد أن يأتي الموت ويأخذني. لا أحد يهتم بي، فقط عندما أموت سيبدأ الناس بالاهتمام. سوف يتدافعون لإظهار الحب الذي لم أره أبدًا." هذه الجملة مليئة بالوجع، وجع الوحدة والخذلان. غالبًا ما نترك الناس ينزفون عاطفيًا دون أن نعلم.
وفي موقف آخر، جاءني صديق آخر والدموع تملأ عينيه، قال: "الكلمات التي يقولها الناس بدون شعور تؤذيني كل يوم. تلك العبارات العنصرية والجارحة التي يتفوهون بها وكأنها مزاح تافه تقتلني من الداخل، ذلك الأذي يترك اثره بي كل ليله حتي صرت لا اثق بنفسي ولا مظهري ولا كوني استحق الحب، لقد جعلوني اتسائل: "أانا سيء بتلك الدرجة"..
ان العبارات مثل "انتي سمينة – لماذا لم تتزوجي بعد؟ – لماذا لم تنجبي حتي الآن؟ – ما هذه الملابس التي ترتديها انها لا تلائمك؟ – انتي سمراء – انتي قصيرة – انتي لا تستطيعي شراء مثل هذه الماركات ... الخ" سخيفة جدًا بالحد الذي يقلل من شأن قائلها وليس الطرف الاخر، وتعكس معدنه وبيئته و ثقافته و مدي انسانيته.
يقول مانسون: "عندما تعيش حياتك بناءً على رضا الآخرين، فإنك تعيش عبودية نفسية. إن البحث عن قيمة النفس من خلال نظرة الآخرين يجعلنا عبيدًا لرأيهم، بينما القوة الحقيقية تأتي من الداخل، الجمال ليس فيما نراه بأعيننا بل فيما نشعر به من الأشخاص، فسوء الرد والقسوة لا يولدوا سوى النفور والاشمئزاز و يهدموا الود ولُطف الرد والكلمة الطيبة يبنيان عالمًا من الود، فالجمال الحقيقي يكمن في الروح؛ لذلك عندما نتحدث عن التعامل مع الآخرين، علينا أن نبدأ بالابتسامة والكلمة الطيبة، فنحن جميعًا نعيش معاركنا الخاصة، وعلينا أن نساعد بعضنا البعض بدلًا من أن نثقل بعضنا.
كن أنت من ينثر المسك والعنبر في كل مكان تذهب إليه، فكما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "الكلمة الطيبة صدقة." كما علمنا أن الطيبة لا تقتصر على الأقوال، بل في التعامل برفق ولين مع الآخرين، حيث قال: "ألا أخبركم بمن يحرم على النار، وبمن تحرم عليه النار؟ على كل هين لين قريب سهل." فاترك أثرًا طيبًا حيثما حللت؛ لأن أثرك الطيب سيظل خالدًا حتى بعد رحيلك.
ختامًا تذكر أن قانون الكون بسيط وعادل: "كما تدين تدان". وما تزرعه في الآخرين سيعود إليك بشكل أو بآخر. إذا كنت جابرًا للخواطر، فإن الله سيجبر خاطرك في أصعب اللحظات. في النهاية، الدائرة ستكتمل، وما تقدمه اليوم، سواء كان حبًا أو جرحًا، ستجده غدًا في طريقك.