ليست حكاية كوميدية

من حق أى أحد التعامل مع «أحمد أنبوبة»، باعتباره صاحب حكاية كوميدية صالحة للاستهلاك والضحك والسخرية.. فنحن أمام مشجع زملكاوى، كان يحلم طول الوقت بارتداء فانلة الزمالك كلاعب، وفشل فى تحقيق حلمه الكبير والوحيد، وجاء هذه المرة ليجلس فى المدرجات يتابع مثل غيره مباراة لناديه أمام إنبى.. ويتعادل إنبى ويتقدم على الزمالك، فلا يتمالك «أحمد أنبوبة» نفسه ويقتحم الملعب ويتوقف اللعب قبل أن ينجح لاعبو الزمالك ورجال الأمن فى إخراج «أنبوبة» بهدوء وإعادته إلى المدرجات..
وعلى الرغم من احترامى لكل من أعجبه الجانب الكوميدى فى هذه الحكاية، فإننى أرى للحكاية نفسها معانى أخرى كثيرة ودلالات تستحق التوقف أمامها بجدية واهتمام واحترام.. وعلى سبيل المثال، انشغل كثيرون منا بتفسير دوافع اقتحام أحمد أنبوبة للملعب والاضطراب النفسى الذى جعله يرى نفسه أهم وأجدى وأكثر فائدة وموهبة من هؤلاء اللاعبين الذين تعاقد معهم الزمالك بكل هذا المال.. ولم ننتبه لسهولة دخول «أنبوبة» إلى الملعب وتواجده فجأة وسط اللاعبين.. كيف حدث ذلك، ولماذا، وأين رجال الأمن، وماذا لو كان الذى اقتحم الملعب شاباً آخر غاضباً أو مجنوناً يريد الاعتداء الجسدى على حكم المباراة أو أى لاعب من فريق منافس؟!
فنحن نعيش زمنا أصبح من الطبيعى فيه تحريض الناس ضد أى حكم كرة أو غرس الكراهية تحت جلد الكثيرين ضد لاعب هنا أو هناك.. وإذا كان «أنبوبة» فى لحظة جنون اقتحم الملعب لأنه يريد أن يلعب مع الزمالك، فماذا لو كان هناك آخر دخل الملعب يريد قتل من لم يحتسب هدفا أو ضربة جزاء، أو إيذاء لاعب منافس بسبب تصريح كاذب أو كلام أسىء فهمه، ويحمل هذا الآخر معه أى سلاح يحتاجه لذلك، خاصة أن التفتيش أمام أبواب الملاعب بات غائبا أو مؤجلا وليس بالتأكيد محكما يمنع دخول أى أسلحة؟!
وأنا بالفعل أشارك الآخرين شكرهم وتقديرهم لحسن تعامل الأمن مع أنبوبة أثناء وبعد إخراجه من الملعب بمنتهى الرقى والتحضر والإنسانية والرحمة.. ولكن ذلك لا يخفى أن هناك خللا أمنيا واضحا وفادحا أيضا ولابد من دراسة ما جرى ولوم المسؤولين عنه أمنيا وضرورة تلافى ذلك مستقبلا.. تماما مثلما أشكر أيضا جمهور الزمالك على تحضره أثناء هذا الاقتحام.. ولولا هذا التحضر، لكان من الممكن أو المؤكد أن يتحول مشهد الاقتحام إلى لحظة انفلات وانفجار وخروج على كل القواعد والحدود..
ولهذا لا أقبل أن تتم معاقبة الزمالك على واقعة «أنبوبة» باللعب مباراة أو اثنتين دون جمهور، فنحن أمام حادث فردى وليست جريمة شغب جماهيرية.. مشهد إنسانى جدا وليس فعلا فاضحا يستدعى المساءلة والعقاب.. ولا أقول ذلك تعاطفا مع «أنبوبة» أو غيره، وإنما نتيجة اقتناع كامل بأن ما جرى لا يستحق مثل هذا العقاب الجماعى القاسى غير المبرر.. وأتوقف الآن أيضا أمام حديث «أنبوبة» نفسه بعد هذا المشهد.. حديث الذى انفرد به الزميل إبراهيم فايق على شاشة «مودرن كورة» فى نجاح إعلامى حقيقى يستحق الشكر والاحترام..
وفيه قال «أنبوبة» إنه يريد اللعب للزمالك، وحاول ذلك كثيرا من قبل وسبق له اقتحام تدريب الزمالك طالبا فرصة من حسام حسن وقت أن كان يدير فريق الزمالك..
وقد اقتحم الملعب الآن أثناء مباراة رسمية لأنه تعب من الصبر والإهمال ورفض المسؤولين له رغم أنه صاحب حق.. كلام سخر منه الكثيرون وتعاملوا معه باستخفاف، ولكنه فى حقيقته مقدمة لابد من الالتفات إليها، لأنها تعكس التحول التدريجى الذى بدأ يسرى داخل عقول المشاهدين وقلوبهم والذين لن يكتفوا مستقبلا بدور المشجع وحدوده، إنما يريدون أن يكونوا هم أصحاب القرار فيما يخص أنديتهم.. ومثلما بدأ بعض شباب الألتراس يقررون بصوت عال أنه لابد من موافقتهم أولا على أى عقوبات ضد أنديتهم.. فهناك جماهير أخرى يزيد عددها يوما بعد يوم بدأت تطلب موافقتها أولا قبل التعاقد مع أى لاعب أو قبل الاستغناء عنه.
نقلا عن المصري اليوم