قانون الطوارئ السلفي

إذ فجأة أصبحت من السلفيين! وافرحتاه أنا سلفى، أكاد أرى أحدكم وهو ينظر لى بطرف عينيه قائلا: على رسلك يا رجل، لقد غم عليَّ الأمر، هل أنت مسلم أم سلفى؟ سأقول لهذا المجادل الذى يريد أن يخاتلنى بسؤاله: أنا مسلم ولكننى لا أفكر لنفسى، فقد تركت التفكير للسلف فأنا أتبعهم فى كل ما قالوه، وهل هناك أفضل من أن أكون سلفياً أقتدى بنهج الصحابة والتابعين وتابعيهم، ولكن أحدكم سيقول لى: إن السلف لم يكونوا شيئاً واحداً أو فكراً واحداً أو نهجاً واحداً، بل إن سلفنا من أهل القرون الأولى اختلفوا فيما بينهم اختلافاً كبيراً حتى وصل بهم الخلاف إلى حد الاقتتال، فمن أى السلف أنت؟ أظننى لن أرد على هذا السائل ولن أعيره التفاتا، فمن نهج من تسلف أن يغض النظر عن هذه الأسئلة، يكفينى أننى أصبحت سلفياً وكفى بها نعمة، نعم نعمة هى أن تحيل أمرك كله إلى السلف الصالح، تفكر كما فكروا، وتعيش كما عاشوا، وتُغنى نفسك عن الاجتهاد لحياتك ودينك، إذ كيف تجتهد وهناك من اجتهد لك! وهل ترك الأولون للآخرين شيئاً، وهل تظن نفسك ستجتهد أفضل من السابقين! اعلم يا أخى أن اجتهادك لو كان فيه الخير لسبقك إليه السلف الصالح!.
اتفقنا إذن، وطالما أننا اتفقنا، بالرغم من أننا نعيش فى واقع لا يوجد فيه اتفاق، فلن يبقى إلا أن أسرد لكم كيف استطاع السلف أن يواجهوا المشاكل السياسية التى كادت أن تقوض أركان دولتهم، وهل يصح لنا أن نترك اجتهاد الصحابة لنتبع اجتهادات البرادعى والببلاوى وزياد بهاء الدين، وهل يفهم البرادعى ورجاله شيئاً فى السلفية ونهج السلف الصالح؟! لا تثريب علينا أيها السادة إن اتبعنا خير القرون- قرن الرسول صلى الله عليه وسلم- فى طريقة حلهم لمشاكلهم السياسية، ولا تثريب علينا كذلك إن اتبعنا صحابيا جليلا كان من أخير الصحابة، ماذا فعل هذا الصحابى؟.
اعتصم جمعٌ كبيرٌ من التابعين فى منطقة خارج الكوفة اسمها «حروراء» حيث جعلوا من حروراء ميداناً لاعتصامهم وأرضاً لتجمعهم، لم يكن هؤلاء التابعون من الأفراد الخاملين أو الفاسدين، ولم يكن عددهم قليلا بل كانوا يزيدون على عشرين ألف تابعى، والحق يقال إنهم لم يكونوا من طلاب الدنيا، بل كانوا كلهم من حفّاظ القرآن، الباحثين عن إقامة شرع الله، قل إنهم كانوا قوما يبحثون عن الجنة ويتصورون أن منهجهم هو الطريق إليها، وكانت علامات السجود تبدو على وجوههم جلية من قيام الليل، حتى أن سيدنا عبدالله بن عباس قال عنهم: لهم جباه قرحة لطول السجود، وأيد كثفنات الإبل، وقد تورمت أقدامهم من كثرة القيام، حدثاء الأسنان- أى أن معظمهم من الشباب- سفهاء الأحلام- أى أنهم يسعون لتحقيق أشياء مستحيلة- ولكن مع ذلك كان لهم منهج منحرف فى فهم الدين، تعسفوا بمنهجهم هذا فى فهم آيات القرآن الكريم، وقد قادهم منهجهم إلى اتهام الصحابى الكبير حاكم الأمة بالكفر، وقالوا إنه خرج من الدين كما يخرج السهم من القوس، ثم تحول اعتصامهم فى منطقة حروراء إلى قطع للطريق، وكان من ناتج قطع الطريق هذا أن قتلوا عبدالله بن الخباب بن الأرت وهو واحد من أفضل أبناء الصحابة، لم يقتلوه فحسب ولكن قتلوا امرأته وبقروا بطنها وقتلوا حملها، وما ذلك إلا لأنه شكر لهم فى الحاكم قائد الجند، وكان الصحابى الحاكم قد أرسل إليهم وسطاء يدعونهم لفض الاعتصام وتسليم القتلة، ولكنهم رفضوا الوساطة وأصروا على الاستمرار فى الاعتصام.
وهنا أصدر الصحابى الحاكم بصفته القائد الأعلى لجيش البلاد قراراً بتجهيز جيش كبير يتجه إلى حروراء لفض هذا الاعتصام وقتال تلك الفئة التى وقفت وحدها بفكرها تواجه الأمة بأسرها، وكم كانت المأساة حينما ذهب جيش الصحابى الحاكم إلى حروراء، وقبل أن يبدأ القتال نظروا فوجدوا تلك الفئة تسجد لله، وتبكى طالبة النصر، وعرفوا من سيماهم أنهم من حفاظ القرآن، وأدركوا من تورم أقدامهم أنهم من أهل قيام الليل ركوعا وسجودا، ورأوا دموعهم تنساب خشوعا وتبتلا، فخافوا من قتالهم، إذ كيف يقاتلون ويقتلون من يتوجهون لله بمثل هذه العبادة، ولكن الصحابى الحاكم كان قد أخبرهم من قبل عن صفات هؤلاء، إذ كان الرسول صلى الله عليه وسلم قد أخبره بها، حيث قال (يخرج من أمتى قوم يسيئون الأعمال، يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يحقر أحدكم عمله من عملهم، يقتلون أهل الإسلام، فإذا خرجوا فاقتلوهم، ثم إذا خرجوا فاقتلوهم، ثم إذا خرجوا فاقتلوهم).
رضى الله عن سيدنا على بن أبى طالب الصحابى الحاكم أمير المؤمنين، القائد العسكرى سيد الجند، قائد الجيش الذى حارب وقتل أهل اعتصام حروراء من المسلمين الذين خاصموا الأمة، فدحرهم فى موقعة النهروان لم يرأف بهم، ولم يحدثه وزير أو أمير عن حقوق الإنسان، أو عن وجوب مواجهة هؤلاء بطريقة سلمية، فقد أدرك الصحابى الجليل سيدنا على بن أبى طالب ابن عم الرسول صلى الله عليه وسلم وزوج ابنته أن الإرهاب لا يواجه بالسلم، ولكنه يواجه بالاستثناء، ورحم الله شاعرا من سلفنا قال موجها كلامه للببلاوى وأمثاله: ووضع الندى فى موضع السيف بالعلا *** مضرٌ كوضع السيف فى موضع الندى.
وما أحرانا فى هذه الأيام أن نطبق طريقة السلف فى فض مواجهة فتنة الفئة التى خاصمت الأمة، أليس هذا هو منهج السلف الصالح؟!.
نقلاً عن "المصرى اليوم"