في وقتٍ يبحث فيه الاقتصاد المصري عن نوافذ جديدة تفتح آفاقًا واعدة للنمو، تأتي القارة الإفريقية لتمنح مصر فرصة ذهبية لا تُقدَّر بثمن. خلف الأرقام والإحصاءات، هناك قصة صعود هادئة لكنها عميقة، تحكي عن دولة تعيد رسم خارطتها التجارية بإرادة سياسية ورؤية استراتيجية. والأرقام الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء خير دليل على ذلك، بعدما سجّلت الصادرات المصرية إلى دول الاتحاد الإفريقي قفزة جديدة لتصل إلى 7.7 مليار دولار في 2024، مقارنة بـ 7.4 مليار في 2023، بنسبة زيادة بلغت 4.7%.
الاقتصاد يتحدث بلغة إفريقيا.. أرقام تبشر بمستقبل واعد
يرى الدكتور عبد الهادي مقبل، رئيس قسم الاقتصاد بكلية حقوق جامعة طنطا، أن هذه القفزة ليست مجرد مؤشر رقمي، بل تعبير مباشر عن تحول في مسار الاقتصاد المصري، والذي بدأ يترجم توجهاته الإفريقية إلى نتائج ملموسة، ويؤكد مقبل ان هذه الأرقام تقول إن مصر لم تعد تتحدث فقط عن إفريقيا، بل أصبحت فاعلًا اقتصاديًا حاضرًا بقوة على أرضها.
المنتج المصري يشق طريقه بذكاء إلى عمق القارة
ويرى مقبل أن الطفرة في الصادرات تعود إلى استراتيجية مدروسة تقوم على فتح أسواق جديدة، وتحسين جودة المنتجات المصرية، إلى جانب الاستفادة من الفرص اللوجستية التي أتاحتها المشاريع الإقليمية الكبرى، مثل الطرق العابرة للحدود والموانئ الحديثة. إفريقيا، كما يقول، لا تزال قارة "تستورد أكثر مما تُنتج"، ما يمنح المنتج المصري الأفضلية التنافسية من حيث الجودة والسعر والسرعة في التوصيل.
ليبيا تتصدر المشهد.. والمفاجآت تأتي من كينيا وغانا
الأرقام تكشف أن ليبيا تصدرت قائمة أكبر الدول الإفريقية المستوردة من مصر بقيمة 2 مليار دولار، تلتها المغرب بمليار دولار، ثم الجزائر بـ996 مليون دولار. لكن المفاجأة، بحسب مقبل، جاءت من اختراق السوق المصري لأسواق بعيدة جغرافيًا ولكن استراتيجية، مثل كينيا، وغانا، وساحل العاج، ومدغشقر ونيجيريا.
ويعتبر هذا التنوع الجغرافي للصادرات "رسالة قوية" بأن مصر لم تعد تعتمد فقط على "الجار القريب"، بل تمد أذرعها نحو العمق الإفريقي، معززة مكانتها كمركز تجاري إقليمي.
فرص غير مستغلة ودعوة لتكثيف الجهود
رغم الأرقام المبشرة، لا يخفي مقبل أن هناك فرصًا أكبر لا تزال بحاجة إلى من يلتقطها، مشيرًا إلى أن اتفاقيات التجارة الحرة، وعلى رأسها اتفاقية التجارة الحرة القارية الإفريقية (AfCFTA)، تمثل ممرًا سريعًا لتوسيع النفوذ الاقتصادي المصري في القارة.
ويؤكد أن المطلوب الآن هو تحفيز المصدرين، وتوفير دعم لوجستي أكثر كفاءة، إلى جانب تسهيل حركة النقل والبنية التحتية، بما يضمن استمرار تدفق السلع المصرية إلى الأسواق الإفريقية بأقل تكلفة وأعلى سرعة.
القارة الإفريقية تفتح ذراعيها، ومصر تتحرك بخطى واثقة، مستندة إلى رؤية سياسية واقتصادية ترى في إفريقيا ليس مجرد سوق، بل امتدادًا طبيعيًا لمستقبلها. ما تحقق في 2024 هو مجرد بداية، أما القفزات الحقيقية فستأتي عندما تكتمل منظومة التصدير بدعم حكومي، واستثمار في اللوجستيات، وتمكين للمصدرين الصغار قبل الكبار. فإفريقيا اليوم لم تعد مجرد خيار، بل ضرورة استراتيجية لمن يريد أن يصنع الفارق على خريطة الاقتصاد العالمي.