أسرار اليقين بالله .. يبحث كثير منا عن أسرار اليقين بالله، ومعناه وكيف يفرق بينه وبين التوكل.
ومن خلال التقرير التالي نوضح أسرار اليقين بالله وأنواعه وثماره.
أسرار اليقين بالله
اليقين من أعظم أسباب حياة القلب وطمأنينته وقوته ونشاطه وسائر لوازم الحياة ، فاليقين يزيل الريب والشك والسخط ، ويملأ القلب نورًاً وإشراقًا ورجاءً وخوفًا من الله ومحبة له ، ورضى بما قدر ، وهو من أسباب زيادة أعمال القلوب كالتوكل والإنابة والخوف والخشية وإحسان الظن بالله تعالى ، ولابد لليقين من علم صحيح يوصل بالخوف والرجاء فهما يدفعان إلى العمل بتحري الإتباع والإخلاص.
كما أن اليقين من أعظم أسباب قوة الإيمان وزيادته، وبه تنال الإمامة في الدين : " بالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين لقوله تعالى : " وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ " (السجدة:24 )
كما أن من ثمراته العظيمة قوة التوكل على الله – كما أشرت في الثمرة الأولى - هذا العمل القلبي العظيم ، فكلما ازداد اليقين في نفس العبد قوي توكله ، قال تعالى : " فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ " (النمل: 79) والحق هنا هو اليقين.
كما أن اليقين سبب لتوفيق الله لعبده للجواب الصحيح حين سؤال الملكين في القبر، وسبب لدخول الجنة: اليقين من أعظم الأسباب المعينة على العبادات والقيام بالمشروعات والإقدام على الأمر بالمعروف وإنكار المنكر والجهاد في سبيل الله تعالى ؛ وذلك إن اليقين يمنع ورود الشهوات والشبهات على القلوب ، ويدفع عن النفس ما قد تجده من ثقل أو صعوبة في بعض العبادات ، يقول ابن القيم : " والقلب متى استيقن ما أمامه من كرامة الله وما أعد لأوليائه... زالت عنه الوحشة التي يجدها المتخلفون ، ولان له ما استوعره المترفون " (مفتاح دار السعادة) .
ويقول الحسن البصري : " ما طلبت الجنة إلا باليقين ، ولا هرب من النار إلا باليقين ، ولا صبر على الحق إلا باليقين.
الفارق بين اليقين والتوكل
قال الدكتور على جمعة مفتى الجمهورية السابق وعضو كبار هيئة العلماء، إن هناك فرق بين اليقين والتوكل .
واضاف على جمعة، فى منشور له عبر صفحته الرسمية بموقع التواصل الإجتماعى فيسبوك، أنه قيل لأحد الحكماء: ما الفرق بين اليقين والتوكل؟، قال : أما اليقين فهو أن تصدق الله بجميع أسباب الآخرة، والتوكل أن تصدق الله بجميع أسباب الدنيا.
كما قال الدكتور على جمعة، إن عامة الفقهاء ومحققوا الصوفية ذهبوا إلى أن التوكل على الله لا يتنافى مع السعي، والأخذ بالأسباب من مطعم ومشرب، وتحرز من الأعداء، وإعداد الأسلحة، واستعمال ما تقتضيه سنة الله المعتادة مع الاعتقاد أن الأسباب وحدها لا تجلب نفعا ولا تدفع ضرا .
أضاف « جمعة» في منشور له على صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي : بل السبب "العلاج" والمسبب "الشفاء" فعل الله -تعالى- والكل منه وبمشيئته قال سهل: «من قال: التوكل يكون بترك العمل فقد طعن في سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-»، لافتًا: قال الرازي في تفسير قوله -تعالى-: (وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ) دلت الآية على أنه ليس التوكل أن يهمل الإنسان نفسه كما يقول بعض الجهال وإلا كان الأمر بالمشاورة منافيا للأمر بالتوكل على الله أن يراعي الإنسان الأسباب الطاهرة ولكن لا يعول بقلبه عليها بل يعول على الله تعالى.
وأوضح عضو هيئة كبار العلماء أن النبي - صلى الله عليه وسلم- حث في أكثر من موضع على العمل والاحتراف وعدم ترك الأسباب فعن ابن عمر مرفوعًا: «إن الله يحب العبد المؤمن المحترف»، (ابن مردويه)، وعن أنس قال: «ذكر شاب عند النبي -صلى الله عليه وسلم- بزهد وورع فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- إن كانت له حرفة»، (ابن أبي الدنيا) وعن الحسن قالوا يا رسول الله: أي الأعمال أحب إلى الله؟ قال: «كسب الحلال وأن تموت ولسانك رطب من ذكر الله» ،(ابن أبي الدنيا).
ونبه المفتي السابق أن جمهور علماء المسلمين اجمعوا على أن التوكل الصحيح إنما يكون مع الأخذ بالأسباب وبدونه تكون دعوى التوكل جهلا بالشرع وفسادا في العقل، مبينًا: للتوكل ثمرات وفضائل عظيمة في حب الله، وحب رسوله -صلى الله عليه وسلم- وحسن السلوك إلى الله، والسير إليه، وزيادة الإيمان، وغفران الذنوب، والترقي في درجات الجنان.
وواصل: وللتوكل أيضا آثار إيجابية على المسلم في حب الوطن، والمجتمع، والنفع حيث حل فإذا دخل التوكل الصحيح في قلب العبد المؤمن لا يؤذي الناس، ولا يحسد الناس، ولا يحقد على أحد، بل لن تراه إلا متعاونا معهم على الخير، راضيا بكل ما يقضيه الله من الأمور، مختتمًا: نسأل ربنا الكريم أن يجعلنا من المتوكلين عليه ومن المطمئنين به وبقضائه -سبحانه وتعالى-.