في ظل التحولات العميقة التي يشهدها الاقتصاد العالمي، تبرز الحاجة الملحة إلى تبني رؤى استراتيجية شاملة تعيد ضبط المسارات التنموية وفق معايير أكثر تكاملا واستدامة.
و لم تعد أدوات السياسات التقليدية كافية لمواجهة التحديات المتسارعة، بل أصبح من الضروري صياغة سرديات وطنية تنطلق من الواقع المحلي وتستجيب لتطلعات الشعوب وتغيرات السوق في آن واحد.
وفي هذا الصدد، يقول الدكتور على الإدريسي، الخبير الاقتصادي، إن إطلاق السردية الوطنية للتنمية الاقتصادية يمثل خطوة بالغة الأهمية في هذه المرحلة، لأنه يضع إطارا جامعا وواضحا لأولويات الدولة الاقتصادية.
وأضاف الإدريسي- خلال تصريحات لـ "صدى البلد"، أن السردية الوطنية للتنمية الاقتصادية يمنح المستثمرين والمواطنين رؤية شاملة تجاه المستقبل، وتعد أهمية هذه السردية أنها بمثابة "عقد اجتماعي جديد" بين الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع، فهي تحدد المسار الذي ستسير عليه السياسات خلال السنوات المقبلة.
وأشار الإدريسي، إلى أنه ما يميز هذه السردية أنها لا تقتصر على معالجة التحديات المالية والنقدية، بل تتجاوزها لتؤكد على التنمية الشاملة، من خلال التركيز على الصناعة والزراعة والتكنولوجيا والطاقة المتجددة، بما يفتح المجال أمام زيادة الإنتاج المحلي وتقليل الاعتماد على الواردات وتعظيم الصادرات.
وتابع: "وتقلل من حالة عدم اليقين التي قد تعرقل الاستثمار أو تضعف ثقة المواطن في جدوى الإصلاحات، كما أن من بين مميزاتها أنها تعطي مساحة أكبر للقطاع الخاص ليكون شريكا رئيسيا في النمو، مع وجود التزام حكومي بتبسيط الإجراءات وتحسين مناخ الاستثمار".
واختتم: "السردية الوطنية للتنمية الاقتصادية كذلك توفر مرجعية موحدة لجميع مؤسسات الدولة، بحيث تصبح البرامج والمبادرات متكاملة وليست متفرقة، وهو ما يعزز الكفاءة ويضمن حسن استغلال الموارد، والأهم أنها تربط بين الأهداف الاقتصادية والاجتماعية، بحيث يشعر المواطن بأن تحسين معيشته وفرص العمل المتاحة له جزء أساسي من عملية التنمية، وليس مجرد نتيجة جانبية لها".
والجدير بالذكر، أن يكتسب الحديث عن السردية الوطنية للتنمية الاقتصادية أهمية استثنائية، ليس فقط لما تحمله من مضامين فكرية وتوجهات استراتيجية، بل لما تمثله من لحظة فاصلة في إعادة تعريف الدور التنموي للدولة وشراكاتها مع المجتمع والقطاع الخاص.
ومن هذا المنطلق، أن هذا التحول الذي يرتجى أن يكون نقطة انطلاق نحو نموذج تنموي أكثر توازنا وشمولا.