في ظل تصاعد التوترات في المنطقة، ومع تزايد الإدانات الدولية للسياسات الإسرائيلية، يبرز الموقف المصري كصوت ثابت وراسخ في الدفاع عن الحقوق الفلسطينية، خاصة في مواجهة محاولات تهجير السكان من قطاع غزة.
وتعتبر مصر واحدة من الدول المحورية فى المنطقة العربية والشرق الأوسط، التى تلعب دورا بارزا فى إدارة الأزمات الإقليمية نظرا لموقعها الجغرافى الفريد وتاريخها العريق، حيث أثبتت مصر على مر السنين أنها ركيزة أساسية للاستقرار السياسى والأمنى فى المنطقة.
ويواصل العالم اليوم، اتخاذ موقف حازم من السياسات الإسرائيلية، باستثناء الولايات المتحدة الأمريكية، وبالفعل موقف مصر ثابت، حيث عبر عنه بوضوح البيان الصادر عن وزارة الخارجية المصرية، وتصريحات السفير الدكتور بدر عبد العاطي، التي جاءت حاسمة في تأكيد موقف مصر الثابت تجاه القضية الفلسطينية.
وفي هذا الصدد، يقول السفير محمد العرابي، وزير الخارجية الأسبق، إن جوهر القضية الفلسطينية يرتكز على ركيزتين أساسيتين: الشعب والأرض، مشددا على أن أي محاولة لفصل الشعب عن أرضه، عبر التهجير القسري أو إفراغ غزة من سكانها، تمثل خطرا وجوديا على مستقبل القضية، وتدفعها نحو التلاشي.
وأضاف العرابي- خلال تصريحات لـ "صدى البلد"، أن هذه المحاولات تضع على مصر مسؤولية تاريخية لا يمكن التهاون فيها، ما يستوجب موقفا صارما لوقف أي مساعٍ لفرض واقع جديد بالقوة.
وأشار إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو فشل خلال أكثر من 700 يوم من العمليات العسكرية في غزة في تحقيق أهدافه، حيث تكبدت إسرائيل خسائر اقتصادية جسيمة، وواجهت رفضا عالميا متزايدا لسياساتها، وهو ما يفسر محاولاته المتكررة لتشتيت الانتباه عن جرائم الحرب التي ترتكبها قوات الاحتلال، من خلال اتهامات باطلة لمصر بإغلاق معبر رفح.
وتابع: "مصر تقف بقوة ضد مخطط التهجير، لما يشكله من تهديد مباشر لجوهر القضية الفلسطينية، والدبلوماسية المصرية، المدعومة بمواقف عربية متزنة، وعلى رأسها بيان المملكة العربية السعودية، تتعامل مع هذه التصريحات والتصرفات الإسرائيلية بحنكة سياسية وصرامة محسوبة".
واختتم: " نتنياهو قد يتجه إلى مزيد من التصعيد والتصرفات غير المحسوبة مع اقتراب موعد مؤتمر دعم حل الدولتين المقرر عقده في نيويورك يوم 22 سبتمبر، مؤكدا أن الشارع الإسرائيلي يشهد حالة غليان داخلي بسبب سياسات حكومته المتطرفة التي باتت تهدد استقرار الداخل الإسرائيلي نفسه".
واحتشد آلاف الإسرائيليين، مساء أمس، في ميدان رئيسي بمدينة تل أبيب، في تظاهرة جماهيرية حاشدة للمطالبة بإنهاء الحرب على غزة وضمان إطلاق سراح الرهائن المحتجزين لدى حركة حماس.
وشهدت التظاهرة دعوات غير مسبوقة للرئيس الأميركي دونالد ترامب للتدخل شخصيا والضغط على رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو من أجل وقف العمليات العسكرية والتوصل إلى اتفاق شامل يعيد الرهائن إلى ذويهم.
ورفع المتظاهرون الأعلام الإسرائيلية واللافتات التي حملت صور الرهائن، إلى جانب شعارات موجهة إلى ترامب من بينها: "استمرار الحرب على غزة ينتقص من هيبتك يا ترامب"، و"أيها الرئيس ترامب... أنقذ الرهائن الآن!".
ترامب "الأمل الأخير" للمتظاهرين
ومن جانبه، قال بوعز، أحد المشاركين في التظاهرة ومن سكان تل أبيب ويبلغ من العمر 40 عاما: "نعتقد أن ترامب هو الرجل الوحيد في العالم الذي لديه نفوذ على بيبي (في إشارة إلى نتنياهو).. هو الوحيد القادر على إجباره على اتخاذ قرار بوقف الحرب".
ويعكس هذا التصريح حجم الإحباط المتزايد لدى قطاعات واسعة من الإسرائيليين تجاه سياسات الحكومة الحالية، لا سيما فيما يتعلق بإدارة ملف الرهائن الذين يعتقد أنهم محتجزون داخل مناطق مأهولة بالسكان في غزة.
مخاوف من تعريض حياة الرهائن للخطر
تتصاعد المخاوف بين أهالي الرهائن ومؤيديهم من أن الهجوم الإسرائيلي على مدينة غزة قد يؤدي إلى مقتل الرهائن أو إصابتهم، خاصة أن العمليات العسكرية تستهدف مناطق يعتقد أن الرهائن محتجزون فيها.
وأكد مسؤولون إسرائيليون أن هذا القلق مشروع، ويشاركه فيه قادة عسكريون كبار في الجيش الإسرائيلي.
واتهمت أورنا نيوترا، والدة أحد الجنود الإسرائيليين الذين قتلوا في هجوم 7 أكتوبر 2023 وتحتجز حماس جثته، الحكومة بالتقاعس عن واجبها تجاه الرهائن.
وقالت خلال التظاهرة: "نأمل حقا أن تدفع الولايات المتحدة كلا الطرفين نحو التوصل إلى اتفاق شامل يعيد جميع الرهائن إلى ديارهم".
وأشارت إلى أن ابنها يحمل الجنسية الأميركية أيضا، مما يزيد من أهمية التدخل الأميركي.
تصاعد الاحتجاجات والمطالب بوقف الحرب
باتت التظاهرات في تل أبيب حدثا أسبوعيا متكررا، إلا أن حجم المشاركة يتزايد أسبوعا بعد آخر، وقدر المنظمون عدد المشاركين في مظاهرة السبت بعشرات الآلاف، في حين شهدت مدينة القدس تنظيم مظاهرة مماثلة، في مؤشر واضح على اتساع رقعة الغضب الشعبي.
وشعارات المتظاهرين لم تقتصر على المطالبة بإنقاذ الرهائن، بل تجاوزتها إلى رفض الحرب برمتها، فقال أحد المشاركين ويدعى آدم (48 عاما): "من الواضح الآن أن الجنود يرسلون إلى هذه الحرب من أجل لا شيء".
فيما أضاف بوعز: "ليس للحرب أي هدف على الإطلاق، سوى العنف والموت".
ترامب وتعهداته.. ومأزق الحرب المستمر
وكان الرئيس الأميركي دونالد ترامب قد تعهد، خلال حملته الرئاسية، بإنهاء الحرب في غزة بسرعة، إلا أن ولايته الثانية التي مضى عليها نحو ثمانية أشهر لم تشهد تحقيق هذا الوعد بعد.
وسبق، وصرح ترامب، بأن واشنطن منخرطة في "مفاوضات متعمقة للغاية" مع حركة حماس في سبيل إنهاء الأزمة.
وفي ظل غياب حل سياسي، واصلت القوات الإسرائيلية تنفيذ غارات مكثفة على أطراف مدينة غزة، ما أدى إلى تفاقم الأزمة الإنسانية هناك.
وأكدت جهات رقابية دولية أن مئات الآلاف من الفلسطينيين يواجهون خطر المجاعة، بينما يقر مسؤولون إسرائيليون بوجود أزمة غذاء حادة، رغم نفيهم لبلوغ الوضع حد المجاعة الكاملة.
وقد وجه الجيش الإسرائيلي تحذيرا جديدا للمدنيين في غزة بضرورة إخلاء المدينة والتوجه إلى جنوب القطاع، بينما لا يزال مئات الآلاف من المدنيين يلوذون بالمدينة التي كانت تضم نحو مليون نسمة قبل اندلاع الحرب.
وفي تطور لافت، نشرت حركة حماس مقطع فيديو جديدا ظهر فيه الرهينة الإسرائيلي جاي جلبوع دلال (24 عاما)، وهو يعلن أنه محتجز داخل مدينة غزة ويخشى على حياته بسبب الهجوم العسكري الإسرائيلي.
وقد أثار الفيديو موجة من الجدل، حيث أدانته جماعات حقوق الإنسان ووصفته بأنه عمل "غير إنساني"، بينما اعتبرت إسرائيل أن نشر مثل هذه المقاطع يندرج ضمن "الحرب النفسية" التي تمارسها حماس.
تعقيدات تفاوضية ومواقف متباينة
ورغم عروض حماس السابقة بإطلاق سراح عدد من الرهائن مقابل هدنة مؤقتة، إلا أن المفاوضات التي جرت في يوليو الماضي بوساطة أميركية وعربية انهارت دون التوصل إلى اتفاق.
وفي تصريحات صدرت أمس، جددت حماس عرضها بالإفراج عن جميع الرهائن شريطة أن توافق إسرائيل على وقف الحرب وسحب قواتها من القطاع.
في المقابل، يتمسك رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بموقف متشدد، معلنا أنه لن يوافق إلا على اتفاق يضمن إطلاق سراح جميع الرهائن دفعة واحدة، مع استسلام حماس بالكامل.
وأكد في تصريحاته الأخيرة أن السيطرة على مدينة غزة أمر "ضروري لهزيمة حركة حماس"، واصفا المدينة بأنها "معقل رئيسي للمقاومة".
نهاية مفتوحة لأزمة معقدة
ورغم أن حركة حماس تدرك أنها لن يكون لها دور في إدارة غزة ما بعد الحرب، إلا أنها ترفض نزع سلاحها، ما يعقد المشهد السياسي والميداني على حد سواء، ويجعل التوصل إلى اتفاق نهائي أمرا بعيد المنال حتى اللحظة.