في حياة الإنسان لحظات فارقة تتطلب قرارًا حاسمًا، قد يفتح له أبواب السعادة أو يضعه أمام ندم طويل. في تلك اللحظات يتردد في داخله صوتان متباينان: صوت العقل الذي يحلل ويقيس ويضع الاحتمالات، وصوت القلب الذي يهمس بما يشعر به من راحة أو ضيق، من طمأنينة أو قلق. ولأن الإنسان مزيج من منطق وإحساس، لم يكن من الحكمة أن يُقصي أحدهما ليُصغي للآخر وحده.
القلب في جوهره ليس مجرد عضو ينبض، بل هو مركز الفطرة السليمة وصفاء الروح. حين قال النبي صلى الله عليه وسلم: “استفت قلبك”، كان يُعلّمنا أن الطمأنينة الداخلية علامة من علامات صدق القرار. قد تبدو كل الأمور منطقية ومعقولة في ظاهرها، لكن يظل القلب منقبضًا، يرفض أن يمنحك السلام. ذلك الانقباض الخفي ليس عجزًا ولا ضعفًا، بل إشارة بأن هناك شيئًا لم يتكشف بعد، وأن التريث أولى من الاندفاع.
ومع ذلك، القلب وحده لا يكفي؛ لأنه قد يميل للعاطفة ويُسقطنا في اندفاع لا نُحمد عاقبته. هنا يأتي دور العقل، ليعيد التوازن، وليضع معايير واضحة، فيفصل بين ما هو رغبة عابرة وما هو قرار يستحق الالتزام. فالعقل يحميك من الخطأ، والقلب يحميك من الندم، والقرار السليم هو الذي يمر على ميزان الاثنين معًا.
التوازن بين العقل والقلب ليس أمرًا سهلاً، لكنه مهارة تكتسبها مع الأيام والتجارب. أن تُعطي للعقل مساحته ليفكر، وللقلب مساحته ليشعر، فتجد أن القرار الذي خرج منهما معًا هو الأقرب إلى الصواب. إنه القرار الذي يضعك في سلام مع نفسك، فلا تضطر أن تبرره كثيرًا، ولا يثقل روحك بعد اتخاذه.
الإنسان الناضج ليس من يتبع عقله فقط، ولا من ينقاد لقلبه فقط، بل من يجعل الاثنين شريكين في صياغة اختياراته. فالعقل يرسم الطريق، والقلب يحدد ما إذا كان هذا الطريق يليق بروحك أم لا. وحين يلتقي وضوح الفكر مع سكينة الشعور، يولد القرار الذي يحمل في داخله راحة البال وقوة الثبات.
وفي النهاية، تظل وصية “استفت قلبك” تذكيرًا بأن المنطق وحده لا يكفي، وأن الفطرة الداخلية الصادقة قادرة أن تكشف ما يعجز عنه العقل أحيانًا. فالقرار الذي يوقّع عليه العقل بالحكمة، ويختمه القلب بالطمأنينة، هو القرار الذي لا يندم عليه صاحبه مهما طال الزمن.