قال الشيخ الدكتور ماهر بن حمد المعيقلي، إمام وخطيب المسجد الحرام، إن الصدق خُلُقٌ عظیم مدح الله به نفسه، فقال تعالى: ﴿وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ حَدِيثًا، وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ قِيلًا).
مدح الله به نفسه
وأوضح “ المعيقلي” خلال خطبة الجمعة الثالثة من شهر ربيع الأول اليوم من المسجد الحرام بمكة المكرمة، أن الصدق من أشرف ما وصف به المُرْسَلُون، ففي القرآن الكريم: يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ، وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا﴾.
واستشهد بما قال الله تعالى: ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا)، وأما نبينا وسيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، فهو الصادق الأمين قبل بعثته، ثم بالصدق جاء، وبالصدق أخبر، وبالصدق أمر.
وأضاف أنه -صلى الله عليه وسلم- هو أصدق من وعد، وأصدق من عاهد، جمّله ربه بالصدق ظاهرًا وباطنًا، وأمره أن يدعو به داخلًا وخارجًا (وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا).
وأفاد أن شريعته شريعة الصدق، وأصحابه هم الصديقون، منوهًا بأن الصدق أصل أصيل في النية والمقال والعمل والحال، وهو طمأنينة وراحة بال يورث تفريج الكربات، وإجابة الدعوات.
مصان جليل
وبين أن الصادق مصان جليل، والكاذب والعياذ بالله مهان ذليل، فلذا كان النبي، يذم الكذب ولو كان في شيئ يسير، ويُنفر منه حتى على الطفل الصغير، فيشب على الصدق ويألفه، ويتجنب الكذب وبأنفه.
ودلل بما قال -صلى الله عليه وسلم-: (وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ، وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ وَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللهِ كَذَّابًا).
ونبه إلى أنه -صلى الله عليه وسلم - حذر من الكذب، حتى لو كان على سبيل التسلية أو المزاح، فقد كان يمازح أهله وأصحابه، ولا يقول إلا حقًا، أنه كلما عظم موضوع الكذب، كبر خطره، وعظمت عقوبته.
وتابع: ولا سيما مع وجود وسائل النشر الإلكترونية، وسرعة انتشار المقولة من اختلاق الإشاعات وتداولها، وما لها من أثر سيء على المجتمعات وأمنها، فليحذر العاقل من أن يكون أداة بيد أعدائه، وسبيلًا إلى إيذاء نفسه ومجتمعه ووطنه.
نهى عن نقل الأخبار
وأشار إلى أنه وإذا كان النبي، نهى عن نقل الأخبار دون تثبت فقال -صلى الله عليه وسلم-: (كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ)، فكيف بمن يختلق الإشاعات والأكاذيب، فهو عُرضة للوعيد الشديد.
وشدد على أعظم الكذب الكذب على الله أو على رسوله، ﴿وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُم مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِرِينَ)، موضحًا أن يتخذوا الصدق شعارًا ودثارًا، والالتزام به سرًا وجهارًا وأن يرزقهم الله التقوى في قلوبهم.
واستطرد: والتوفيق والسداد في دروبهم، وأن يتذكروا أن الصدق قرين الإخلاص، فلن ينجوا يوم القيامة إلا الصادقون قَالَ اللَّهُ (هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ).
شعار المؤمن
وأكد أن الصدق شعار المؤمن في كل أحواله ودثاره في أقواله وأفعاله، ملازمًا لشخصيته، راسخًا في طبيعته، حتى يصبح الصدق سجية له، وطبعًا لا يفارقه، فلا يسمح لنفسه، بأن يلقي كلامًا دون تروٍ ولا بصيرة.
وأردف: ولا يحكم على أمر بالظنون الكاذبة، بل يتحرى الصدق في أقواله وأفعاله، ويطلبه ويجتهد من أجله، حتى يكتب عند الله صديقًا، وهي منزلة رفيعة، ودرجة عالية، بين النبوة والشهادة.
واستند لما قال الله تعالى: ﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصَّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا)، فطوبى لمن صدق الله فصدقه الله، وطوبى لمن صدق مع عباد الله فأكرمه الله، وطوبى لمن ثبت على طريق الصادقين حتى توفاه الله.