قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
عاجل
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

المعرفة كسلاح.. مكتبات مصر العامة في معركة الوعي.. رضا الطايفي: مكتباتنا لم تعد للكتب فقط بل لاكتشاف المواهب وصناعة المستقبل.. مكتبات مصر أيقونة تنوير بمواجهة عتمة الجهل

السفير رضا الطايفي
السفير رضا الطايفي

السفير رضا الطايفي:

مكتبات مصر العامة.. أيقونة تنوير في مواجهة عتمة الجهل


من 12 إلى 31 مكتبة.. رحلة مكتبات مصر العامة نحو العدالة الثقافية


المكتبة أيقونة تنوير تعيد صياغة الحياة
الكتاب يلتقي الذكاء الاصطناعي تحت سقف المكتبات العامة


مكتبات مصر العامة تطرق أبواب النجوع
حلم يتحول إلى شبكة وطنية للتنوير

في عالمٍ تتسارع فيه الأحداث وتتشابك فيه العوالم الواقعية والافتراضية، يبدو الإنسان في أمسّ الحاجة إلى جذور ثابتة تحميه من الانجراف الكامل في دوامة الاستهلاك الرقمي والسطحية المعرفية. وبينما تتقلص المسافات عبر الإنترنت، تتسع الهوة أحياناً بين الإنسان وثقافته، وبين المواطن وحقه الطبيعي في المعرفة.

 هنا تبرز المكتبة العامة بوصفها أكثر من مجرد مبنى يحوي كتباً؛ إنها مؤسسة وجودية تحفظ ذاكرة المجتمع وتفتح أمامه نوافذ المستقبل.


 

المكتبة العامة ليست رفوفاً للكتب ولا مقاعد للقراء فقط، بل هي فضاء جامع للوعي الجمعي، ومعمل لإنتاج الأفكار، ومسرح لتشكيل الوجدان. إنها المكان الذي يلتقي فيه الطفل المتطلع للدهشة، والشاب الباحث عن فرصة، والمرأة التي تسعى لاستعادة دورها، والمثقف الذي يحاول أن يجد صوته وسط ضجيج العالم. وفي مصر تحديداً، حيث تلتقي الحضارات وتتراكم طبقات التاريخ، تأخذ المكتبة العامة معنىً أكثر عمقاً: إنها حارس الهوية الثقافية وسلاح ناعم في مواجهة التطرف والجهل والتهميش.

من هنا تأتي أهمية تجربة مكتبات مصر العامة، تلك الشبكة التي نمت وتوسعت في العقود الأخيرة لتتحول إلى ما يشبه شرايين ثقافية تمتد في جسد الوطن. فبينما كان عددها لا يتجاوز اثنتي عشرة مكتبة قبل عشر سنوات، باتت اليوم تضم واحداً وثلاثين مكتبة ثابتة، فضلاً عن أربعٍ وعشرين مكتبة متنقلة تجوب القرى والنجوع لتصل بالمعرفة إلى حيث لم تصل من قبل.

لكن الأهم من الأرقام هو أن هذه المكتبات نجحت في أن تكون مراكز مجتمعية تتجاوز فكرة استعارة الكتب إلى تقديم أنشطة تعليمية وفنية وتراثية، ودعم مبادرات التنمية المستدامة، والمساهمة في برامج "حياة كريمة"، ورعاية ذوي الهمم، والأهم اكتشاف المواهب منذ الطفولة المبكرة. إنها بالفعل تتحرك في اتجاه أن تكون أيقونة تنوير وطنية، قادرة على إعادة صياغة علاقة المجتمع بالمعرفة.

عن هذه التجربة ورؤيتها المستقبلية، وعن التحديات التي تواجه المكتبات في عصر الذكاء الاصطناعي والرقمنة، وعن أحلام التوسع حتى تغطي كل محافظات مصر، كان لنا هذا الحوار مع السفير رضا الطايفي، مدير صندوق مكتبات مصر العامة، الذي يحدثنا بلغة الواثق بأن المكتبة ستظل قادرة على أن تكون حصنًا منيعًا ضد النسيان والسطحية والاغتراب.

في البداية، حدّثنا عن مكتبات مصر العامة وانتشارها في محافظات الجمهورية، والدور الذي تقوم به؟

وصل عدد مكتبات مصر العامة حتى الآن إلى 31 مكتبة منتشرة على مستوى المحافظات. في عام 2014 لم يكن عددها يتجاوز 12 مكتبة، ما يعني أننا أضفنا 19 مكتبة جديدة خلال سنوات قليلة. هذا بخلاف 24 مكتبة متنقلة تجوب القرى والنجوع والمراكز في 18 محافظة، بينما نعمل جاهدين لتغطية باقي المحافظات التسع: شمال وجنوب سيناء، الفيوم، بني سويف، سوهاج، السويس، الإسكندرية، والغربية.


هذه المكتبات ليست مجرد مبانٍ لحفظ الكتب، بل هي أدوات فاعلة في نشر الوعي الثقافي والحضاري، وتسهيل الاطلاع على الإنتاج الفكري والمعرفي. وهي أيضاً جسور بين الثقافات المختلفة من خلال التعاون مع السفارات والمؤسسات الدولية لإقامة فعاليات وأنشطة مشتركة.


كما تواكب المكتبات توجهات الدولة ورؤية مصر 2030 للتنمية المستدامة، وتجسد مفهوم العدالة الثقافية، بحيث تصل الخدمات الثقافية إلى الريف مثلما تصل إلى الحضر، انطلاقاً من مبدأ حقوق الإنسان الثقافية. نحن أيضاً نولي اهتماماً خاصاً بذوي الهمم، ونقدم لهم كافة الخدمات الممكنة بالتعاون مع المؤسسات المتخصصة، ليظلوا جزءاً أصيلاً من النسيج الثقافي للمجتمع.

في ظل الطفرة التكنولوجية والهيمنة الرقمية، كيف ترون الدور الحقيقي لمكتبات مصر العامة اليوم؟

ندرك تماماً أن الرقمنة لم تعد رفاهية بل ضرورة حياتية. لذلك كان من الطبيعي أن نواكب هذا التحول، فكل مكتباتنا مجهزة بصالات للحاسب الآلي، وتقدم برامج تدريبية متخصصة في محو الأمية الرقمية والذكاء الاصطناعي، بالتعاون مع وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات.


بدأنا بالفعل في إدخال الكتب الإلكترونية والكتب الصوتية، وهو إنجاز مهم لأنه يتيح للقارئ سماع الكتاب بلغات مختلفة، ويمثل خطوة أساسية في جعل المكتبات أكثر جاذبية وملائمة لعصر الرقمنة. نحن نؤمن أن دور المكتبات يتطور مع تطور المجتمع، وإذا توقف عند حدود الماضي فسوف يذبل ويفقد تأثيره.

كثيرون يرون أن المكتبة لم تعد فقط مكاناً لاستعارة الكتب. كيف تجسد مكتبات مصر العامة مفهوم "المكتبة كمركز مجتمعي"؟
صحيح، الكتاب سيظل الأساس، ونحن نحرص على تزويد المكتبات سنوياً بأحدث الإصدارات. لكن دور المكتبة الآن تجاوز ذلك ليصبح منصة ثقافية ومجتمعية شاملة.


نحن نقدم أنشطة متعددة: (دورات لغات وخط عربي، ورش ثقافية وفنية للأطفال والشباب، معارض كتب وفنون تشكيلية، اكتشاف ورعاية المواهب الصغيرة).


الحفاظ على الحرف التراثية المهددة بالاندثار، عبر ورش للأشغال اليدوية، نساعد من خلالها السيدات على العمل من منازلهن وتسويق منتجاتهن لتحقيق عائد مادي يحفظ كرامتهن.


المكتبات أيضاً جزء أساسي من مبادرات حياة كريمة، وتشارك بفعالية في دعم المجتمعات المحلية سواء في الصعيد أو المدن الكبرى. ولعل الأهم أننا أصبحنا نمارس دوراً حقيقياً في اكتشاف المواهب منذ الصغر من خلال مسابقات وأنشطة للأطفال والشباب، وهو ما يحقق رسالتنا التنويرية في أبعادها المجتمعية.

هل هناك خطط لتوسيع الأنشطة لتشمل مجالات جديدة، خصوصاً مع تطور تقنيات الذكاء الاصطناعي؟
نعم، نسعى بشكل دائم لتطوير أنشطتنا. نخطط لإقامة معارض تقنية ومشروعات رقمية جديدة في السنوات القادمة، ونعمل على إدماج الذكاء الاصطناعي في خدمات المكتبات. المستقبل يفرض علينا أن نكون جزءاً من هذا التطور الهائل، وإلا فقدنا جاذبيتنا للأجيال الجديدة.

ما الجديد الذي يقدمه صندوق مكتبات مصر العامة في موسم 2025–2026؟
نحن حالياً نعمل على إنشاء مكتبات جديدة في عدد من المواقع الحيوية:
إسنا والكرنك (الأقصر).
بئر العبد والعريش (شمال سيناء).
شبرا الخيمة والقنطرة شرق.
شبين الكوم وكفر الشيخ.
سيدي جابر (الإسكندرية).
بور فؤاد (بورسعيد).
السويس.
الداخلة (الوادي الجديد).
لدينا الآن نحو عشر مكتبات تحت التنفيذ، نصفها أوشك على الاكتمال، ونأمل أن نفتتحها قريباً. هذه المشروعات تأتي في إطار هدفنا أن تصبح مكتبات مصر العامة حاضرة في كل المحافظات، وأن تتحول إلى مراكز ثقافية ومجتمعية متكاملة.

برأيكم، كيف يمكن قياس أثر مكتبات مصر العامة على الحركة الثقافية في مصر؟
الأثر ملموس وموثق بالأرقام. فالإقبال الجماهيري على المكتبات وفعالياتها في تزايد مستمر. على سبيل المثال، في الأقصر وحدها، قدمنا عام 2024 أكثر من 1000 نشاط متنوع، شارك فيها آلاف المواطنين. المكتبات المتنقلة بدورها وصلت إلى 975 قرية، كثير منها لم يشهد أنشطة ثقافية من قبل.


اليوم نستطيع القول إن مكتبات مصر العامة نجحت في تغطية 65% من المحافظات، وما تحقق ليس مجرد أرقام، بل هو تحول نوعي؛ فقد أصبحت المكتبات جزءاً من نسيج المجتمع، وفضاءً يتنافس الناس للانضمام إليه. في بعض المكتبات يصل الأمر إلى وجود زحام شديد، وهذا بحد ذاته دليل على حاجة الناس إلى مثل هذه المساحات.

كيف تتصورون مستقبل مكتبات مصر العامة خلال السنوات العشر المقبلة؟
رؤيتنا أن يكون في كل محافظة مكتبة رئيسية مع فرعين أو ثلاثة على الأقل، أي شبكة وطنية متكاملة تغطي مصر كلها. كما نخطط للاهتمام بالهوية البصرية والمعمارية للمكتبات بحيث تكون مبانيها مميزة وجاذبة، لا مجرد قاعات صغيرة.


المكتبة في المستقبل ستكون مركزاً للمعرفة الرقمية والذكاء الاصطناعي بقدر ما هي مركز للكتاب الورقي. رئيس مجلس إدارة المكتبات السفير عبد الرؤوف الريدي يحلم بأن نصل إلى 1000 مكتبة عامة في مصر، ونحن نحلم معه ونعمل بجد لتحقيق هذا الهدف الطموح.

إذا طُلب منكم تلخيص رسالة المكتبات العامة في كلمة واحدة.. ماذا ستكون؟
"أيقونة تنوير".
لأن هدف المكتبات هو إيصال المعرفة إلى الجميع: أطفالاً، شباباً، وكباراً. المعرفة هي السلاح الحقيقي لمواجهة تحديات العصر. المكتبات العامة بالنسبة لنا ليست فقط مخازن كتب، بل هي أسلحة دفاع عن الهوية والثقافة المصرية. من دونها نخسر الكثير، ولهذا نؤمن بضرورة دعمها وتوسيعها باستمرار.