سبب تعظيم يوم الإثنين من كل أسبوع ، يعد أحد الأسرار الخفية عن هذا اليوم، والذي لا ينبغي الاستهانة به أو التفريط فيه بأي حال من الأحوال ، خاصة وأن سبب تعظيم يوم الإثنين من كل أسبوع فيه دلالة على فضل هذا اليوم ومن ثم زيادة الحرص على اغتنامه بصالح الأعمال ، الواردة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ومن هنا تنبع أهمية معرفة سبب تعظيم يوم الإثنين من كل أسبوع ، لعلنا فيه نكون من الفائزين.
سبب تعظيم يوم الإثنين من كل أسبوع
قال الدكتور علي جمعة ، مفتي الجمهورية الأسبق وعضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، عن سبب تعظيم يوم الإثنين من كل أسبوع ، إن الله سبحانه وتعالى هو خالق كل العوالم وهو يختار منها ما يريد له التعظيم والإجلال ، وقد جعل من بين الأزمان أزمانا مباركة.
وأوضح «جمعة» عن سبب تعظيم يوم الإثنين من كل أسبوع، أنه ورد عنه صلى الله عليه وسلم : «سُئِلَ عن صَوْمِ يَومِ الاثْنَيْنِ، قالَ: ذَاكَ يَوْمٌ وُلِدْتُ فِيهِ، وَيَوْمٌ بُعِثْتُ، أَوْ أُنْزِلَ عَلَيَّ فِيهِ».
ودلل بما ورد عن أسامة بن زيد ـ رضي الله عنهما ـ قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم يوم الإثنين والخميس، فسألته؟ فقال: "إن الأعمال تعرض يوم الإثنين والخميس، فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم"، صحيح : فتح الباري (4 / 278)، منوهًا بأنه يعتقد المؤمن أن للزمان والمكان والأشخاص والأشياء حرمة، وهو يراعيها في تعامله معها.
وأضاف أن المؤمن يدرك أن الله جعل من بين الأزمان أزمانا مباركة وأعلى قدرها، كما جعل من بين الأماكن أماكن مباركة، ومن بين الأحوال أحوالا مباركة، وجعل من بين الأشخاص أشخاصا مباركة، وجعل من بين الأشياء أشياء مباركة، وذلك لأن الله سبحانه هو خالق كل هذه العوالم وهو يختار منها ما يريد له التعظيم والإجلال.
واستشهد بما قال تعالى : ﴿وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ الآية 68 من سورة القصص ، منوهًا بأن من تعظيم المؤمن للأزمان التي اختارها ربنا وباركها، تراه يعظم الأشهر الحرم وشهر رمضان من السنة، وذلك لقول الله تعالى : ﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِى كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ القَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ﴾ الآية 36 من سورة التوبة.
وتابع: فكان التأكيد على حرمة ظلم النفس في هذه الأشهر خاصة بيان لعظيم قدرها عند خالقها سبحانه ومن ثم عظمها المؤمن، ووتراه يعظم شهر رمضان، وذلك لقول ربنا سبحانه وتعالى : ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِى أُنزِلَ فِيهِ القُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ اليُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ العُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا العِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ الآية 185 من سورة البقرة .
وأشار إلى أن من الأيام تراه يعظم يوم الجمعة من كل أسبوع، قال تعالى : ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِن يَوْمِ الجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا البَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ الآية 9 من سورة الجمعة ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : « خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة؛ فيه خلق آدم، وفيه أدخل الجنة، وفيه أخرج منها، ولا تقوم الساعة إلا في يوم الجمعة» [رواه مسلم في صحيحه].
ولفت إلى أنه كذلك يعظم يوم عرفة، وعاشوراء من السنة وسئل صلى الله عليه وسلم - عن صوم يوم عرفة، فقال : يكفر السنة الماضية، والباقية. قال : وسئل عن صوم يوم عاشوراء ؟ فقال : يكفر السنة الماضية» [رواه مسلم في صحيحه].
فضل يوم الإثنين
ورد عن أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم - سئل عن صوم الإثنين؟ فقال: فيه ولدت، وفيه أُنزل عليّ»، رواه مسلم، والبيهقي. ورواه ابن خزيمة بلفظ: «بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل عليه عمر، فقال: يا نبي الله، صوم يوم الإثنين؟ قال: «يوم ولدت فيه، ويوم أموت فيه».
ويدل الحديث على استحباب صوم يومي الاثنين والخميس لأنهما يومان تعرض فيهما الأعمال، ويوم الاثنين هو اليوم الذي كانت ولادته فيه صلى الله عليه وسلم وهو أيضا اليوم الذي أنزل الله فيه عليه الوحي.
حديث عن يوم الإثنين
روي عن مولى أسامةَ بنِ زيدٍ ، أنَّهُ انطلقَ معَ أسامةَ إلى وادي القرى في طلبِ مالٍ لَهُ ، فَكانَ يصومُ يومَ الاثنينِ ويومَ الخميسِ ، فقالَ لَهُ مولاهُ : لِمَ تصومُ يومَ الاثنينِ ويومَ الخميسِ ، وأنتَ شَيخٌ كبيرٌ ؟ ، فقالَ : إنَّ نبيَّ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ كانَ يصومُ يومَ الاثنينِ ويومَ الخميسِ ، وسُئِلَ عن ذلِكَ ، فقالَ : إنَّ أعمالَ العبادِ تُعرَضُ يومَ الاثنينِ ويومَ الخميسِ.
وقد مَلَك حبُّ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم قلوبَ أصحابِه رِضْوانُ اللهِ علَيْهم، فالتَزَموا هَدْيَه في شَبابِهم وعِندَ كِبَرِ سِنِّهم. وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ مَولى أُسامةَ بنِ زيدٍ "أنَّه انطَلَق معَ أُسامةَ رَضِي اللهُ عَنه، إلى وادي القُرى"، وهو: وادٍ بينَ المدينةِ والشَّامِ، "في طلَبِ مالٍ له"، أي: لأُسامةَ رَضِي اللهُ عَنه.
"فكان يَصومُ يومَ الاثنينِ ويومَ الخميسِ"، أي: تَطوُّعًا وتَقرُّبًا إلى اللهِ، "فقال له مَولاه: لِم تَصومُ يومَ الاثنينِ ويومَ الخميسِ؟"، أي: لِمَ تُداوِمُ على صِيامِهما، "وأنتَ شيخٌ كبيرٌ؟"، أي: “يُصيبُك التَّعَبُ والمشقَّةُ”.
فقال: "إنَّ نبيَّ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم كان يَصومُ يومَ الاثنينِ ويومَ الخَميسِ"، وسُئِلَ عن ذلِك، فقال: "إنَّ أعمالَ العبادِ"، أي: الصَّالِحةَ وغيرَها، "تُعرَضُ يومَ الاثنينِ ويومَ الخميسِ"، أي: إنَّ أعمالَ الأسبوعِ تُعرَضُ على اللهِ في هذَينِ اليَومينِ، فيَتقَرَّبُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم إلى اللهِ بالصَّومِ فيهِما، وفي الحديثِ: بيانُ فضلِ صيامِ يومَي الاثنينِ والخميسِ مِن كلِّ أسبوعٍ.