عقد الجامع الأزهر اليوم الاثنين، اللقاء الأسبوعي للملتقى الفقهي (رؤية معاصرة) تحت عنوان: مذهب الإمام أبو حنفية في فقه المعاملات" بحضور أ.د عماد عبد النبي محمود، أستاذ الفقه بجامعة الأزهر، وأ.د محمد صلاح حلمي، أستاذ الفقه بجامعة الأزهر، وأدار الحوار الشيخ علي حبيب الله، الباحث بالجامع الأزهر.
في بداية الملتقى قال فضيلة الدكتور محمد صلاح: "الإمام أبو حنيفية، كانت له رؤية في مذهبه حول الأحكام الضابطةِ لمعاملات الناس، وقد كانت رؤيتُهُ في فقهِ المعاملاتِ رؤيةً حكيمةً راعَتِ المصلحةَ، وكان عملُهُ بالتجارةِ جعلَهُ يكون مُمَارِسًا للمعاملاتِ من خلالِ اختلاطِهِ بالناسِ، فعرَفَ حِيَلَ التجارِ ومكرَ المكّارينَ، فجاءَ فقهُهُ مُعالجًا لهذه الحِيَلِ، ولو تأمّلنا في واقعنا نجدُ من أكبر المشكلاتِ التي يعيشها الناس، معظمها خلافات قائمة على أمور مادية، وكان يحتاط لنفسه ويتورع في المعاملات الخاصة به.
وأوضح فضيلة الدكتور محمد صلاح، العلماء في كثير من المسائل التي توجد فيها المصلحة العامة كما في مسألة "التسعير"، فلو لم يذهب أبو حنيفة إلى هذا الرأي، كيف سيكون الحال في مسألة السلع العامة التي تقوم عليها حياة الناس كالسلع البترولية أو الأدوية، ما لم يكن هناك سعر محدد؟ كيف سيكون الحال في حالة كان المتحكم تاجرًا جشعًا؟ وقد ظهرت براعة أبي حنيفة في مسألة الوديعة، حيث ذهب بعض العلماء إلى أن الربح للمودَع مقابل ضمانه لرأس المال، وذهب آخرون إلى أن الربح كله لصاحب المال لأن الزيادة نشأت بفعل ملكه، أما الإمام أبو حنيفة، فكان له رأي حكيم يقطع الطريق على استغلال الأمانات، حيث ذهب هو وتلميذه محمد بن الحسن إلى أن الربح لا يحل للمودَع ولا لصاحب المال، بل يجب على المودَع التصدق به كله، ويضمن لصاحب الوديعة رأس ماله فقط. هذا الحكم يضمن ألا يستغل الأمين الأمانة للربح، ويحفظ حق المالك الأصلي.
من جانبه قال فضيلة الدكتور عماد عبد النبي كان الإمام أبو حنيفة يتمتع بقوة عقل ورجاحة، كما كان ورعًا لا يتعلم العلم من أجل أن يقال عالم، وإنما تعلم من أجل أن يخشى الله سبحانه وتعالى، وكان الإمام أبو حنيفة بارعًا في باب المعاملات، لأن الكثير من المشاكل تحصل بسبب المال، وكثير من النزاعات كان سببها المال. لذلك كان فقه المعاملات بالصعوبة ما كان، لذلك جاءت براعته في هذا الباب من كثرة خشيته، وقد طبق ذلك على نفسه، وهو ما يظهر عند شرائه متاعًا وكان بالمتاع ثوب به عيب، وعندما علم أبو حنيفة أن بالمتاع الذي باعه ثوبًا معيبًا، ولم يستطع معرفة من اشترى الثوب، فقد تبرع بقيمة كل المتاع لله من أجل أن يبرأ من الذنب.
وأوضح فضيلة الدكتور عماد، أن الإمام كان منهجه التيسير والسعة والرفق بالناس في الأحكام، فكان مطبقًا بذلك لسنة الرسول صلى الله عليه وسلم: "إذا خُيِّرَ بين أمرين اختار أيسرهما"، ونجد الإمام أبو حنيفة خالف الجمهور في كثير من المسائل كتفريقه بين الفاسد والباطل في فقه المعاملات، وهما عند جمهور الأصوليين مترادفان، وقد فرق الإمام أبو حنيفة في ذلك من أجل السعة في الأمر.
يُذكر أن الملتقى "الفقهي يُعقد الاثنين من كل أسبوع في رحاب الجامع الأزهر الشريف، تحت رعاية فضيلة الإمام الأكبر وبتوجيهات من فضيلة الدكتور محمد الضويني وكيل الأزهر الشريف، ويهدف الملتقى الفقهي إلى مناقشة المسائل الفقهية المعاصرة التي تواجه المجتمعات الإسلامية، والعمل على إيجاد حلول لها وفقا للشريعة.



