في لحظةٍ فارقة من عمر الوطن، تقف مصر على أعتاب حدثٍ لا يشبه سواه، حدث يعيد رسم علاقة الأمة بتاريخها، ويحوّل الذاكرة إلى مشهدٍ حيّ أمام عيون العالم، إنه المتحف المصري الكبير، المشروع الذي بدأ حلماً على ورق منذ عقود، وتحوّل اليوم إلى واقع يليق بعظمة حضارةٍ قادت الإنسانية ذات يوم، وتُعيد اليوم تعريف معنى الحضارة ذاتها.
منذ أن أطلق الفنان ووزير الثقافة الأسبق فاروق حسني شرارة الفكرة الأولى، مرورًا بمحاولات التنفيذ، وصولًا إلى لحظة الإنجاز الكامل على يد الرئيس عبد الفتاح السيسي، ظل هذا المشروع شاهدًا على إصرار مصر على أن تصنع المجد من جديد، إنه ليس مجرد متحف؛ بل إعلان حضاري للعالم بأن مصر القديمة بعظمتها، تمتد إلى مصر الحديثة بإرادتها وقوتها.
طارق منصور: المتحف نقلة حضارية وإعلان جديد عن عظمة الأمة المصرية
ويؤكد المؤرخ والروائي الدكتور طارق منصور أستاذ التاريخ والحضارة بجامعة عين شمس، أن افتتاح المتحف المصري الكبير يمثل "نقلة حضارية كبرى في تاريخ الأمة المصرية"، ويعد بمثابة إعلان للعالم أجمع عن مصر وتاريخها العريق وعمقها الحضاري الذي لا يقبل الشك.
ويضيف منصور أن المتحف الجديد يعكس بوضوح جهود الدولة المصرية الحديثة في تجديد صورتها وتحديث بنيتها الثقافية والمعمارية بما يتناسب مع النهضة الشاملة التي تشهدها البلاد تحت قيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي، مشيرًا إلى أن هذا الصرح لا يخدم الحاضر فقط، بل سيمتد أثره لآلاف السنين القادمة.
ويتابع موضحًا أن الزائر للمتحف "سيدرك بعينه لا بكلماته عظمة الحضارة المصرية القديمة" من خلال ما يحتويه من كنوز أثرية نادرة، ومومياوات ملكية، ومجوهرات فريدة، وقطع تُجسد عبقرية المصري القديم في الفن والهندسة والفكر.
محمد عفيفي: المتحف حلم وطني تحقق بإرادة القيادة السياسية
ويرى الدكتور محمد عفيفي أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة القاهرة، أن المتحف المصري الكبير يمثل حلمًا طال انتظاره، إذ بدأ التخطيط له منذ سنوات طويلة، وكان من المقرر افتتاحه قبل أحداث الخامس والعشرين من يناير، إلا أن الظروف السياسية التي مرت بها البلاد أدت إلى تأجيل المشروع.
ويضيف: "تحقق الحلم أخيرًا بجهود الدولة والرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي تبنّى استكماله كأحد أهم الصروح الثقافية في العالم".
ويشرح عفيفي، أن فكرة إنشاء المتاحف في مصر ارتبطت منذ نشأتها في أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين بالفكر القومي وصعود الوعي بالهوية المصرية، مشيرًا إلى أن تأسيس المتاحف الكبرى مثل متحف التحرير والمتحف اليوناني الروماني ومتحف الفن الإسلامي جاء في فترات ازدهار الحركة الوطنية، تأكيدًا على الذات المصرية ونكاية في الاحتلال البريطاني آنذاك.
ويؤكد أن المتحف المصري الكبير يأتي امتدادًا طبيعيًا لهذا المسار، فهو ليس مجرد مبنى ضخم يجذب السياح، بل منارة ثقافية وفكرية عالمية تؤكد أن مصر ما زالت قادرة على تجديد رسالتها الحضارية وتأكيد دورها في صياغة الوعي الإنساني.
ويشدد على ضرورة النظر إلى المتحف بوصفه مؤسسة ثقافية تعليمية وليست ربحية، داعيًا إلى تنظيم رحلات مدرسية وجامعية بأسعار رمزية لإتاحة الفرصة أمام الأجيال الجديدة للتعرف على تاريخ بلادهم.
زاهي حواس: المتحف مشروع القرن.. ومصر الحديثة تمتد بعزيمتها من عظمة الماضي
ويصف عالم الآثار المصرية الدكتور زاهي حواس المتحف المصري الكبير، بأنه مشروع القرن لمصر والعالم بأسره، موضحًا أن افتتاحه هو تتويج لجهد استمر سنوات طويلة، وتجسيد لقدرة الدولة المصرية على تحويل الحلم إلى واقع مهما كانت التحديات.
ويقول حواس إن المشروع كان من المفترض افتتاحه عام 2015، لكن الظروف التي مرت بها البلاد عقب أحداث 2011 حالت دون ذلك، إلى أن تبنى الرئيس عبد الفتاح السيسي المشروع بالكامل رغم الصعوبات الاقتصادية.
ويضيف: "هذا الموقف يحمل رسالة قوية للعالم مفادها أن مصر القديمة بعظمتها تمتد إلى مصر الحديثة بعزيمتها وإرادتها".
ويختتم حواس حديثه قائلاً: "هذا المتحف ليس بناءً للحجر، بل رمز لروح مصر الخالدة التي تربط بين ماضيها المجيد ومستقبلها المشرق".
عبد الرؤوف الريدي: ميلاد جديد لروح مصر الخالدة
ويقول السفير عبد الرؤوف الريدي رئيس مجلس إدارة مكتبات مصر العامة، إن افتتاح المتحف المصري الكبير يمثل حدثًا استثنائيًا في تاريخ مصر والعالم، مشيرًا إلى أنه يجسد عظمة الحضارة المصرية وعبقرية الإنسان المصري الذي صنع من الحجارة تاريخًا ومن التاريخ مجدًا خالدًا.
ويضيف أن المتحف لا يُعد مجرد مبنى، بل صرح حضاري وثقافي شامل يجمع بين الماضي العريق والحاضر المشرق والمستقبل الواعد، ويحتضن كنوز الحضارة المصرية في عرض مهيب يعكس روح مصر الأصيلة وقدرتها على الإبداع المتجدد.
ويؤكد الريدي أن افتتاح المتحف هو انتصار للقوة الناعمة المصرية، وتجسيد لروح التنوير التي تتبناها الدولة المصرية في مؤسساتها الثقافية، قائلًا:"المتحف المصري الكبير ليس مجرد افتتاح لمبنى ضخم، بل ميلادٌ جديدٌ لروح مصر الخالدة في ثوب عصري يبهر العالم من جديد".
أحمد مجاهد: أهم حدث ثقافي بعد قناة السويس
ويرى الدكتور أحمد مجاهد المدير التنفيذي لمعرض القاهرة الدولي للكتاب، أن افتتاح المتحف المصري الكبير هو "أهم حدث ثقافي وحضاري، بل وسياسي واقتصادي بعد ازدواج الملاحة في قناة السويس".
ويقول: "حق لكل مصري أن يشعر اليوم بالفخر والسعادة، لأن مصر التي تملك أكبر وأعرق آثار العالم، لم يكن لها نصيب يليق بها من السياحة العالمية، بسب غياب العرض المناسب لهذا التاريخ".
عمر طاهر: المتحف يرفع الروح المعنوية ويعيد صياغة الهوية
ويقول الكاتب الكبير عمر طاهر، إن افتتاح المتحف المصري الكبير يدعم الهوية المصرية، ويعزز حضور الإنسان المصري وهيبته أمام العالم.
ويضيف أن "المتحف مكان له حضور وشخصية، وليس مجرد موقع أثري تقليدي"، موضحًا أن الحدث يعيد صياغة مكانة مصر التاريخية والثقافية، ويمنحها بصمة خاصة مثل متاحف اللوفر والمتروبوليتان والبرادو.
ويتابع: "الحدث من الأحداث التي ترفع الروح المعنوية العامة وتمنح المصريين طاقة إيجابية تجعلهم يؤجلون أي إحباط، ويستمتعون بلحظة كلها فخر وانتماء".
رضا الطايفي: المتحف وثيقة إنسانية حيّة.. ومصر تُعلّم العالم من جديد
ويصف السفير رضا الطايفي مدير صندوق مكتبات مصر العامة، افتتاح المتحف المصري الكبير بأنه لحظة فارقة في الوعي الإنساني قبل أن يكون حدثًا مصريًا، مشيرًا إلى أن المتحف يمثل ذاكرة حيّة للوجود البشري تسكنها روح مصر منذ آلاف السنين.
ويقول الطايفي إن المتحف ليس مشروعًا أثريًا أو سياحيًا فقط، بل وثيقة إنسانية مفتوحة تسرد كيف استطاع الإنسان أن يخلق من الحجر معنى، ومن الزمن حضارة، ومن المعرفة طريقًا إلى الخلود.
ويضيف: "هذا المتحف لا يقدم التاريخ في قاعات مغلقة، بل يقدمه حيًا نابضًا في وجدان كل من يزوره، لأنه يضعنا وجهًا لوجه أمام السؤال الأزلي: من نحن؟ وإلى أين نمضي؟"
ويختم قائلاً: "المتحف المصري الكبير ليس مكانًا للعرض، بل مساحة للتأمل، ومرآة يرى فيها العالم نفسه. في هذا الصرح العظيم تلتقي الإنسانية بأصلها الأول، وتتعلم من مصر – مرة أخرى – كيف يُصنع الخلود".
من الماضي إلى المستقبل.. مصر تكتب فصلها الخالد
من فنانٍ حمل حلمًا في قلبه، إلى دولةٍ جعلت الحلم حقيقة، تمتد قصة المتحف المصري الكبير كقصيدة في الإرادة الوطنية، إنه المشروع الذي جمع بين الإبداع والعلم، بين الفن والهندسة، بين الذاكرة والرؤية، وبين جدرانه الزجاجية الشفافة، تتنفس مصر من جديد، وتقول للعالم كله: "هذه ليست مجرد آثار... هذه نحن".