أجاب الدكتور محمود شلبي، أمين الفتوى في دار الإفتاء المصرية، عن سؤال حول حكم أخذ وبيع هدية ذهبية أُهديت لطفل صغير دون علمه، قائلاً إن الهدايا المقدمة للأطفال في مثل هذه الحالات عادةً ما يُقصد بها ولي الأمر، سواء كانت الأم أو الأب، وليس الطفل نفسه، وبالتالي البيع أو التصرف فيها من قبل الأم أو الأب جائز ولا حرج فيه.
حكم أخذ وبيع هدية ذهبية أُهديت لطفل صغير دون علمه
وأوضح أمين الفتوى في دار الإفتاء المصرية، خلال تصريحات تلفزيونية اليوم الأربعاء، أن جرت الأعراف على أن مثل هذه الهدايا تُقدّم للطفل بصورة تمثل الأم أو الأب، فالمقصود بالهبة هو ولي الأمر، وليس الطفل نفسه.
وأضاف أمين الفتوى في دار الإفتاء أن الغالب في مثل هذه المواقف أن بيع الهدايا يكون عند الحاجة، أما إذا لم توجد حاجة فيُفضل الاحتفاظ بها أو استبدالها بهدايا أعلى قيمة لاحقًا، لتُوظف في صالح الأطفال في التعليم أو الزواج أو ما ينفعهم مستقبلًا.
وأكد أمين الفتوى في دار الإفتاء أن الشرع الشريف أباح هذه التصرفات للأم إذا كانت الهدية وصلت إليها، وللأب إذا كانت وصلت إليه، مشددًا على أن الأصل في هذه الأمور "الغنم بالغرم"، أي من يغنم يتحمل ومن يغرم يغنم، للحفاظ على التوازن بين المكسب والمسؤولية في التعامل مع الهدايا العائلية.
ما حكم رد الهدية من دون سبب شرعي؟
وكان ورد إلى دار الإفتاء المصرية سؤال مضمونه: ما حكم رد الهدية من دون سبب شرعي؟ فأنا أهديت صديق لي بعض الهدايا ولكنه رفض قبولها، وقد سبَّب هذا لي حزنًا شديدًا، فهل يجوز شرعًا رفض الهدية وعدم قبولها من دون سبب؟ وهل هذا يتفق مع سنة النبي عليه الصلاة والسلام؟.
وأجابت الإفتاء عن السؤال قائلة: حثَّ الشرع الشريف على التهادي؛ لأنَّه من بواعث المحبة وزيادتها، وإثبات المودة والوئام بين الناس، وإذهاب الضغائن، وتأليف القلوب، وقد كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يحضُّ على التهادي ويقبل الهدايا.
رَوى الإمام البخاري في "صحيحه" عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لَوْ دُعِيتُ إِلَى ذِرَاعٍ أَوْ كُرَاعٍ لَأَجَبْتُ، وَلَوْ أُهْدِيَ إِلَيَّ ذِرَاعٌ أَوْ كُرَاعٌ لَقَبِلْتُ».
والذي عليه جمهور العلماء أنَّ قبول الهَدِيّة أمرٌ مستحبٌ؛ يقول الإمام النووي في "شرح صحيح مسلم" (7/ 134-135، ط. دار إحياء التراث العربي): [اختلف العلماء فيمن جاءه مال هل يجب قبوله أو يندب؟ على ثلاثة مذاهب: والصحيح المشهور الذي عليه الجمهور: أنه يستحب] اهـ.
وقد نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن رد الهدية إذا لم يكن هناك سبب يدعو لذلك؛ فرَوى الإمام أحمد في "مسنده"، وابن حبان في "صحيحه" أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «أَجِيبُوا الدَّاعِيَ، وَلَا تَرُدُّوا الْهَدِيَّةَ، وَلَا تَضْرِبُوا الْمُسْلِمِينَ».
ورَوى الإمام أحمد في "المسند" عن خالد بن عدي الجهني رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنْ بَلَغَهُ مَعْرُوفٌ عَنْ أَخِيهِ مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ وَلَا إِشْرَافِ نَفْسٍ فَلْيَقْبَلْهُ، وَلَا يَرُدَّهُ، فَإِنَّمَا هُوَ رِزْقٌ سَاقَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ».
قال الإمام ابن حبان في "روضة العقلاء ونزهة الفضلاء" (ص: 242، ط. دار الكتب العلمية): [زجر النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وآله وسلَّم في هذا الخبر عَن ترك قبول الهدايا بين المسلمين؛ فالواجب على المرء إذا أهديت إليه هدية أن يقبلها ولا يردها، ثم يثيب عليها إذا قدر ويشكر عنها، وإنَّي لأستحب للناس بعث الهدايا إلى الإخوان بينهم إذ الهدية تورث المحبة، وتذهب الضغينة] اهـ.
وبينت بناء على ذلك؛ ان قبول الهدية أمرٌ مستحبٌ، ويكره ردُّها إلا إذا وُجد مانع شرعي من قبولها، ويستحب لمَن امتنع عن قبول هدية لعذرٍ أن يُبَيِّن عذره للمُهدي؛ تطييبًا لقلبه وجبرًا لخاطره.



