دخلت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عام 2025 محمّلة بوعود طموحة لخفض الأسعار وتعزيز القدرة على تحمل تكاليف المعيشة، فقد أظهرت نتائج الانتخابات النصفية السابقة أن التضخم وضغط النفقات يمثلان أولويات الناخب الأمريكي، ما منح الديمقراطيين مكاسب مهمة في ولايات رئيسية.
وتعهد البيت الأبيض بإحياء الصناعة المحلية تحت شعار “أمريكا أولاً”، إلا أن الأداة الأساسية التي اعتمد عليها — التعريفات الجمركية الواسعة — كانت بطبيعتها تتعارض مع الهدف نفسه، إذ إن السياسات الحمائية تؤدي تقليدياً إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج وأسعار المستهلكين.
ووفقا لموقع بيزنس انسايدر فإن التناقض الذي يبدو واضحا، جعل من تلك السياسات وصفة مؤكدة لإثارة الغضب الشعبي.
الرسوم الجمركية
في مطلع 2025 أعلنت الإدارة الأمريكية عن حزمة واسعة من الرسوم الجمركية، وُصفت بأنها الأكثر حدة منذ عقود. شملت: 20% على جميع الواردات الصينية و25% على الواردات من كندا والمكسيك الخارجة عن USMCA و25% على واردات الصلب والألمنيوم والسيارات و10% تعريفات “تبادلية” أساسية على جميع دول العالم و50% رسوماً انتقامية على واردات من دول مثل البرازيل والهند
ولم تُبنَ هذه الرسوم على اعتبارات اقتصادية خالصة، بل جاءت في كثير من الأحيان كرد فعل سياسي، ما حول التعريفات من أداة حماية إلى أداة عقابية تفتقر إلى الاتساق.
ومع اقتصاد يعتمد على سلاسل توريد عالمية شديدة التشابك، أدّى هذا التوسع الواسع إلى زيادة مباشرة في تكاليف الإنتاج وارتفاع التضخم، وهو عكس الهدف المعلن للإدارة بخفض أسعار السلع، وفقا لما أشار إليه موقع بيزنس انسايدر.
رأت مؤسسات مالية أن نطاق التعريفات الجديدة يذكّر بسياسات قانون سموت–هاولي لعام 1930، الذي تسببت رسومه المرتفعة في موجة ردود فعل انتقامية عالمية فاقمت الكساد الكبير
ميزانية غير مدروسة
كما قارن خبراء الخطوة بقرارات ليز تراس في بريطانيا عام 2022، حين أدى الإعلان عن “ميزانية راديكالية” غير مدروسة إلى انهيار ثقة الأسواق، وتراجع الجنيه، وأزمة سندات، انتهت بسقوط حكومة تراس في 49 يوماً.
وأشار اقتصاديون إلى أن الإدارة الأمريكية بدت وكأنها تتجاهل هذه الدروس بفرض سياسات عالية المخاطر وغير متوقعة قد تثير أزمة مشابهة — ولكن في سوق الأسهم الأمريكية هذه المرة.
تآكل ثقة المستثمرين
لم يقتصر الأثر السلبي للتعريفات على المستهلكين؛ بل إن التقلب المفرط في السياسة التجارية دمّر ثقة المستثمرين.
تعتمد مشاريع إعادة توطين الصناعة (Reshoring) على استثمارات بمليارات الدولارات تتطلب استقراراً سياسياً وتنظيمياً طويل الأمد. لكن سلسلة التراجعات السريعة والقرارات المفاجئة جعلت بيئة الاستثمار شديدة الخطورة وغير قابلة للتنبؤ، ما أوقف أي مكاسب محتملة من التعريفات.
فشل تحمل التكاليف
ركّزت الإدارة على حرب الرسوم الجمركية بدلاً من التصدي للقضايا البنيوية التي تُرهق الأسرة الأمريكية: الإسكان ورعاية الأطفال والصحة والتعليم، وهي عوامل تشكل الجزء الأكبر من نفقات الأسرة.
حتى مع انخفاض أسعار بعض السلع أو المواد الخام، فإن هذه التكاليف الثابتة تُبقي شعور الناخب بـ “الأزمة المعيشية” قائماً.
توتر بين البيت الأبيض والاحتياطي الفيدرالي
أدت السياسات الجمركية إلى خلق حالة من “حرب الرسائل” بين الإدارة والاحتياطي الفيدرالي.
فبينما كان البيت الأبيض يضغط لخفض الفائدة لدعم الاستثمار المحلي، كان البنك المركزي يخفض الفائدة لأسباب مختلفة: وهي ضعف سوق العمل وليس تراجع التضخم، الذي ظل مرتفعاً بفعل الرسوم الجمركية.
هذه الازدواجية خلقت تناقضاً خطيراً بين سياسة مالية تضخمية وسياسة نقدية توسعية، ما يضع الفيدرالي أمام خيارات مكلفة، إما دعم التوظيف وتعميق موجة التضخم، أو كبح التضخم على حساب الدخول في ركود.
وفي تحليله، أكد موقع بيزنس انسايدر أن الرسوم الجمركية لم تُحدث "نهضة صناعية”، ولم تُخفّض الأسعار، ولم تُعِد الثقة إلى الناخبين، بل تسببت في ارتفاع الأسعار، وتراجع الاستثمار، وتعميق الغضب الشعبي — مما يجعلها أحد أكبر الأخطاء الاقتصادية للإدارة خلال ولايتها الثانية.

