أكد الكاتب أحمد المسلماني، رئيس الهيئة الوطنية للإعلام أن القوة الناعمة هى استخدام "الجاذبية" بدلاً من "السلاح".. من أجل تعزيز مكانة الدولة.
وطرح المسلماني لمخاطبة العالم العربي والعالم الإسلامي والعالم المسيحي والعالم ككل، عبر أربعة أضلاع تشكل القوة الناعمة المصرية، وذلك من خلال مقال نشره عبر الموقع الرسمي لـ الهيئة الوطنية للإعلام، بعنوان "المربع الذهبي للقوة الناعمة.. القرن الحادي والعشرون المصري".
وقال المسلماني : إن المقال هو ورقة حوار أوليّة ، وقد جاءت كتابته بعد لقاء سابق مع دولة رئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي ، حيث جرى الحديث عن ضرورة تطوير أطروحات فكرية وإعلامية مصرية بشأن الحاضر و المستقبل.
وفيما يلى نص المقال :
القوة الناعمة ببساطة هى استخدام "الجاذبية" بدلاً من "السلاح".. من أجل تعزيز مكانة الدولة.
وفي تقديري.. فإن هناك ما يمكنني تسميته "المربع الذهبي للقوة الناعمة المصرية". وفي هذه السطور بعض ملامح لهذا المربع الأسطوري.
الضلع الأول: الريادة الفكرية.. الحديث إلى نصف المليار نسمة
تولت مصر منفردة القيادة الفكرية للعالم العربي طيلة القرنين التاسع عشر والعشرين. كانت هناك بالطبع إضاءات عظيمة في العواصم العربية قاطبة، وكانت هناك معالم جهود ثقافية حاضرة وإبداعات فكرية صاعدة.. من المحيط إلى الخليج، إذْ كان المشرق والمغرب معًا مضاءً بمفكرين ومثقفين من اتجاهات شتى. لكن ذلك كله كان في إطار التسليم بالقيادة الفكرية المصرية للعالم العربي.
ولمّا جاء القرن الحادي والعشرون، وجاءت معه التكلفة الهائلة في تمويل الصحف الكبرى ومحطات التليفزيون المؤثرة، فضلاً عن الإنتاج السينمائي والدرامي، ثم لحقت بذلك تحديات وسائل التواصل، وضرورات الإنفاق الضخم من أجل ترويج المحتوى، وجدت مصر نفسها إزاء وضع لم تشهده من قبل.
واليوم.. وفي سباق الإعلام قديمهُ وجديدهُ، وفي ظل حرب الشاشات والمنصات، فإنّ مصر التي لم تعد منفردة بقيادة الإعلام، لايزال بإمكانها الريادة الفكرية في العالم العربي.
إن "الحداثة" التي قادتها مصر لأكثر من قرنين، لاتزال هى المدخل لمخاطبة نصف المليار عربي. وبينما لايزال ربع المليار عربي وفيًا لميراث المائتى عام السابقة.. من الشيخ حسن العطار إلى نجيب محفوظ، ومن رفاعة الطهطاوي إلى أحمد زويل.. ومن صحيفة الأهرام إلى أم كلثوم، فإن ربع المليار الآخر - وهو الأقل سنًّا - يحتاج إلى جهد أكبر، إذ أنه تأثر بأوروبا أكثر مما تأثر بمصر، أو أنه يرى أن بداية الخليقة جاءت بعد الهاتف المحمول.
إذا أمكن للفكر المصري أن يعيد التموضع الثقافي من جديد، ومن وراء التموضع الثقافي يأتي التموضع الإعلامي.. فإنه يمكن لمصر أن تستأنف ريادتها الفكرية في العالم العربي فيما بقى من القرن الحادي والعشرين.
لايزال كل ما يخرج من مصر هو الأكثر تأثيرًا في المحيط العربي، لكن جزءًا منه لا يليق بمصر، ولا يناسب دورها ولا مكانتها، وهو الجزء الأكثر تسويقُا وترويجًا، وأما الجزء الأفضل فقد خضع للقاعدة المخيفة.. طردُ العملة الرديئة للعملة الجيدة.
بعد قليل سيصبح عدد سكان العالم العربي (600) مليون نسمة، وبعدها بقليل سيصل تعداده عام 2050 إلى (750) مليون نسمة، وسيكون عدد سكان أوروبا وقتها (450) مليون نسمة. وعلى ذلك فإن عودة الريادة الفكرية في العالم العربي منتصف هذا القرن إنما يعني نفوذًا هائلاً لدى عدد من السكان يفوق عدد سكان أوروبا بكثير.
الضلع الثاني.. القيادة الأزهرية للفكر الإسلامي.. الحديث إلى (1,8) مليار نسمة
حين زرتُ نيجيريا مع وزير الخارجية الدكتور بدر عبد العاطي.. سألت أحدهم عن "أليكو دانجوتي" أغنى رجل في أفريقيا، وكان أول ما سمعت: إنه غاضب منكم، هل تعلم أنه خريج كلية التجارة جامعة الأزهر، ولكنكم لم تهتموا به.
لقد تخرج في جامعة الأزهر رؤساء ووزراء ورجال أعمال، وفي معظم نخب العالم الإسلامي يشكل الأزهريون مكونًا رئيسيًا في أكثر من خمسين دولة. ولقد التقيتُ بعدد منهم.. من جاكارتا إلى داكار.
كانت رؤية الفيلسوف الإسلامي مالك بن نبي أن منارات الفكر الإسلامي الكبرى في العالم كانت ثلاثة: دلهي واسطنبول والقاهرة، ولم يبق من الثلاثة إلا منارة الأزهر.
يمكن لمصر - وفي إطار رؤية الرئيس عبد الفتاح السيسي لتجديد الخطاب الديني - أن تخاطب (1,8) مليار مسلم حول العالم باسم الأزهر الشريف.
إن "الأزهر" هو الكلمة الساحرة التي يجتمع أكثر من مليار مسلم على الثقة الكاملة بها. ولن تجد مصر حضورًا في العالم الإسلامي بطريق أفضل ولا أعظم من طريق الأزهر، ولطالما كان الأزهر جزءًا كبيرًا من السياسة والمكانة. وهذا هو الضلع الثاني.
الضلع الثالث.. رحلة العائلة المقدسة.. الحديث إلى 2 مليار مسيحي
في عام (60) ميلادية تأسست كاتدرائية القديس مرقس في الإسكندرية، وفي مصر عدد من أعرق الكنائس في العالم. ويزور المسيحيون الأجانب الكنيسة المعلقة وكنيسة أبو سرجة، ودير سانت كاترين، والمتحف القبطي.. في رحلاتهم الدينية.. بكل إيمان وإعجاب.
وتحظي الكنيسة الأرثوذكسية المصرية بنفوذ كبير ومكانة خاصة لدى أرثوذكس العالم، وإذْ يشكل الأرثوذكس أغلبية في البلقان والقرن الأفريقي.. فإن استثمار هذا الضلع في هذه المنطقة الاستراتيجية القريبة منّا والملهمة لنا.. يمثّل فرصة كبيرة.
إن من أهم المعالم في تاريخ المسيحية.. زيارة السيد المسيح والسيدة العذراء والقديس يوسف النجار إلى مصر، فقد تشرفت مصر بزيارة العائلة المقدسة التي استغرقت أكثر من ثلاث سنوات ونصف السنة.
في عهد الرئيس السيسي تم إحياء مسار رحلة العائلة المقدسة، في سيناء والشرقية والغربية وكفر الشيخ والقاهرة والصعيد.. وصولاً إلى أسيوط.
في هذه الرحلة المقدسة من "الفرما" في سيناء إلى "درنكة" في أسيوط.. تم إحياء معالم الزيارة التي تُعد شرفًا عظيمًا اختصّ به الله مصر. يمكن مخاطبة (2,2) مليار مسيحي في العالم - الكاثوليك والبروتستانت والأرثوذكس - بأنّنا البلد الذي زاره السيد المسيح، وبارك العديد من مدنه ومحافظاته، وأنه لا دولة أخرى في العالم نالت شرف الزيارة والإقامة غيرنا.
وهكذا فإن كاتدرائية القديس مرقس، ورحلة العائلة المقدسة، فضلاً عن موقع "التجلي الأعظم" حيث البقعة الوحيدة في كوكبنا التي تجلي فيها الله عز وجل.. تمثل جميعها ركيزة أساسية في هدا الخطاب.
الضلع الرابع.. الحضارة الفرعونية.. الحديث إلى (8) مليار نسمة
لا يوجد مثقف في العالم لم يدرس أو لم يقرأ في علم المصريات (الإيجيبتولوجي)، ولا يوجد شخص في العالم لا يعرف الفراعنة أو الأهرامات، أو طالعَ التاريخ العظيم للمصريين القدماء. وقد أدّت الاحتفالات الثلاثة العالمية: موكب المومياوات، وطريق الكباش، والمتحف الكبير.. إلى ترسيخ المكون الفرعوني في الشخصية المصرية، وإعادة تسويق الحضارة المصرية عالميًا كما لم يحدث من قبل.
لقد تضمنت تحيّة الرئيس السيسي في حفل افتتاح المتحف الكبير "تحيا مصر.. وتحيا الإنسانية" ذلك الربط بين ما ورثه (100) مليون مصري من أجدادهم، وما ورثه (8) مليار إنسان من حضارة خالدة.. تحمل الإبداع والقيم .. معًا.
** وهكذا يتشكل المربع الذهبي للقوة الناعمة المصرية، التي يمكنها إعادة تموضعنا في القرن الحادي والعشرين.
أنْ نخاطب نصف المليار عربي بالحداثة المصرية، وأنْ نخاطب (1,8) مليار مسلم بالأزهر الشريف، وأن نخاطب (2,2) مليار مسيحي برحلة السيد المسيح، وأن نخاطب (8) مليار إنسان بالحضارة الفرعونية.
تحتاج مخاطبة العالم العربي ولا سيما الأجيال الجديدة.. إلي فتح الطريق أمام موجات الروائيين الجدد والفلاسفة الجدد والمؤرخين الجدد، وذلك لقيادة موجة فكرية معاصرة، تصل اليوم بالأمس.
كما تحتاج إلي استيعاب العلماء الجدد لا سيما في حقل الرياضيات والرقمنة ممن امتازوا خارج البلاد، وذلك لتأسيس ظهير رقمي يحمي الوجود ويوسع الحدود.
وأما مخاطبة العالم الإسلامي فإنها تحتاج إلي تفعيل المنظمة العالمية لخريجي الأزهر لتكون منظمة دولية حاضرة ونافذة، وإطلاق منصة رقمية كبري تخاطب ذلك المجتمع الملياري بأكبر لغاته كالبنغالية والأردية والأندونيسية والفارسية والتركية والهاوسا والسواحلية .. فضلاً عن الإنجليزية والفرنسية التي يجب أن تكونا الأداة الأكبر في المربع بأكمله.
يحتاج كل ضلع من ذلك المربع إلى مؤتمر فكري بمفرده.. كيف نضع هذه العناوين في إطار نظري ورؤية تطبيقية. وكيف نستثمر هذا النجاح العالمي لحفل المتحف الكبير، من أجل التمدد الثقافي والحضور المستدام.
إن الريادة الفكرية هى مدخلنا للنفوذ في الشرق الأوسط الجديد، وهى طريقنا الثابت في نظام إقليمي متغير، وفي عالم يتخبّط في اللايقين.