في خطوة تعكس حجم الهزّة التي ما زال يعيشها الجيش الإسرائيلي منذ هجوم 7 أكتوبر، اتخذ رئيس الأركان الإسرائيلي إيال زمير سلسلة من القرارات التأديبية الواسعة بحق كبار القادة العسكريين، مستندًا إلى نتائج لجنة التحقيق التي شكّلها اللواء احتياط سامي تورغمان.
وتأتي هذه الإجراءات بعد أشهر من النقاشات الداخلية الصاخبة داخل المؤسسة العسكرية، في ظل انتقادات متزايدة حول قصور الاستعدادات الاستخباراتية والعملياتية في واحد من أكبر الإخفاقات الأمنية التي واجهتها إسرائيل في تاريخها.
بدأت لجنة تورغمان عملها بهدف مراجعة الثغرات التي سبقت هجوم السابع من أكتوبر، إضافة إلى تقييم أداء القيادات العسكرية خلال الساعات الحرجة للهجوم.
وكشفت النقاشات التي جرت داخل اللجنة عن تفاوت واضح في جودة التحقيقات الداخلية داخل الجيش، بين ملفات وُصفت بأنها قوية ومتكاملة، وأخرى ضعيفة أو تفتقر إلى الأسس المهنية، ما جعل اللجنة توصي بإعادة مراجعة عدد من الملفات المهمة، خصوصًا ما يتعلق بتعامل الاستخبارات مع نسخ خطة هجوم "جدار أريحا" الخاصة بحركة حماس.
استدعاءات عاجلة واستنتاجات حادة
بحسب صحيفة "يديعوت أحرونوت"، فقد استدعى رئيس الأركان إيال زمير عددًا من كبار الضباط، ممن خدموا قبل هجوم السابع من أكتوبر وخلاله، لإبلاغهم بالاستنتاجات الشخصية التي توصّل إليها بعد مراجعة التحقيقات. وخلال لقائه بهم، أكد زمير بوضوح أن ما حدث في ذلك اليوم يمثل "فشلًا خطيرًا، مدويًا ومؤلمًا"، مشددًا على أن الجيش لم يؤدِّ مهمته الأساسية في حماية المواطنين.
وقال زمير: "استنتاجاتي تقدم صورة قاطعة: فشل الجيش في مهمته الرئيسية في السابع من أكتوبر – حماية مواطني دولة إسرائيل. هذا فشل خطير، مدوٍ ومؤلم، يتعلق بالقرارات والسلوك قبل الحدث وخلاله".
وأضاف أن الدروس المستخلصة من ذلك اليوم ستكون بمثابة "بوصلة موجهة لعمل الجيش مستقبلًا"، مشيرًا إلى أنه قرر "باتخاذ إجراءات واستنتاجات شخصية تجاه أصحاب المناصب الذين كانوا مسؤولين في ذلك اليوم".
إبعاد باسيوق وتوبيخ بيندر
قررت قيادة الجيش إبعاد اللواء احتياط عوديد باسيوق، الذي كان يشغل منصب رئيس شعبة العمليات عند اندلاع الحرب، من الخدمة الاحتياطية بالكامل، رغم أنه كان مرشحًا لمناصب رفيعة داخل وزارة الدفاع.
كما وجّه زمير توبيخًا مباشرًا للواء شلومي بيندر، الذي كان رئيسًا لشعبة العمليات في ذلك اليوم ويشغل حاليًا منصب رئيس الاستخبارات العسكرية، على أن يغادر الخدمة بعد انتهاء ولايته.
إبعاد حليفا من الاحتياط
كما أبلغ زمير اللواء احتياط أهارون حليفا، الرئيس السابق للاستخبارات العسكرية، بقرار إبعاده من الاحتياط خلال اتصال هاتفي. وأكد حليفا للصحيفة أنه سبق أن تحمّل المسؤولية كاملة، قائلًا: "طلبت عدم الخدمة في الاحتياط… وتوقعت تشكيل لجنة تحقيق رسمية."
إنهاء خدمة فينكلمان وفصل ضباط آخرين
قررت القيادة العسكرية إنهاء خدمة اللواء يارون فينكلمان، القائد السابق للمنطقة الجنوبية، وإبعاده عن الاحتياط.
كما تم فصل ضابط الاستخبارات السابق في فرقة غزة، المعروف بالحرف "أ"، إضافة إلى إنهاء خدمة رئيس لواء العمليات في الاستخبارات العسكرية، المعروف بالحرف "ج".
قرارات إضافية: الجوية والبحرية تحت المجهر
ذكرت الصحيفة أن قائد وحدة 8200، يوسي شاريل، استُدعي للاجتماع لكنه لم يحضر، ليتلقى لاحقًا إخطارًا رسميًا بإبعاده من الاحتياط. وقال شاريل إنه سبق أن "تحمل المسؤولية" وطلب "الصفح"، مؤكدًا أنه لم يكن ينوي الاستمرار في الاحتياط أصلًا.
توبيخ لقادة سلاح الجو والبحرية
وجّه رئيس الأركان توبيخًا للواء تومر بار، قائد سلاح الجو، بسبب تقصير الاستعدادات لمواجهة تهديدات الطائرات المسيرة ومحركات الباراموتور التي عطّلت منظومات المراقبة على الحدود.
كما تلقّى قائد سلاح البحرية، دافيد ساعر سلامة، توبيخًا مشابهًا بسبب قصور الاستعدادات والتعامل مع التهديدات ذاتها.
لجنة تورغمان: نتائج متباينة وتحقيقات ناقصة
أوصت لجنة تورغمان بإعادة النظر في عدة ملفات لم تُراجع بالشكل الكافي، بينها كيفية تعامل الاستخبارات العسكرية مع نسخة خطة الهجوم التي وضعتها حماس تحت عنوان "جدار أريحا". كما لاحظت اللجنة وجود تفاوت كبير في جودة التحقيقات، معتبرة أن بعض القيادات قدمت مراجعات مهنية ومتكاملة، بينما قدّم آخرون تقارير ضعيفة أو ناقصة.
وأكدت اللجنة أن مهمتها لم تتضمن التوصية بالإقالات، إلا أن حجم الإخفاقات وتداعياتها دفع رئيس الأركان إلى اتخاذ قرارات واسعة تعكس مسؤولية القيادة العسكرية عن ما جرى.
يعكس هذا التحرك الواسع داخل الجيش الإسرائيلي حالة الاضطراب المستمرة داخل المؤسسة الأمنية منذ السابع من أكتوبر، وتزايد الضغوط السياسية والإعلامية والشعبية لمحاسبة المسؤولين عن الإخفاقات. وبينما تستمر لجنة تورغمان في مراجعة الملفات الحساسة، تشير الإجراءات الأخيرة إلى رغبة القيادة العسكرية في إظهار جدّية واضحة تجاه الإصلاح ومحاسبة المسؤولين، في خطوة قد تفتح الباب لمزيد من الاهتزازات داخل هرم القيادة خلال المرحلة المقبلة.