دعاء لتقوية الإرادة ينبغي لكل مسلم أن يحرص عليه، فالإدارة أعظم قوى الإنسان، ومن دونها لا يمكنه أن يقبل على عمل ما أو يُحجم عنه، و تعني الإرادة مثابرة المرء واندفاعه للقيام بعمل معين بصرف النظر عن العوائق والمصاعب التي سوف يواجهها في طريق إنجازه للعمل، وتحقيق أهدافه التي تحقق كيانه وذاته، والإدارة أو العزيمة موجود منذ قديم الأزل، و النبي - صلى الله عليه وسلم- كان يحث أصحابه علىقوة الإرادة، وكان يطلب من ربه - عز وجل- ذلك.
دعاء لتقوية الإرادة
روى عن شداد بن أَوس - رضى الله عنه-قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يعلمنا أن نقول:«اللَّهمَّ أنِّي أسألُكَ الثَّباتَ في الأمرِ والعزيمةَ في الرُّشدِ، وأسألُكَ شكرَ نعمتِكَ، وحسنَ عبادتكَ ، وأسألُكَ قلبًا خاشعًا سليمًا، وخلقًا مستقيمًا ولسانًا صادقًا ، وعملًا متقبلًا، وأسألُكَ من خيرِ ما تعلمُ ، وأعوذُ بكَ من شرِّ ما تعلمُ ، وأستغفرُكَ لما تعلمُ فإنَّكَ تعلمُ ولا أعلَمُ وأنتَ علَّامُ الغيوبِ»، ( جامع الترمذي).
شرح الدعاء:
قوله: ((اللهم إني أسألك الثبات في الأمر)): صيغة عامة يندرج تحتها كل أمر من أمور الدنيا والآخرة، والثبات عليها يكون بالتوفيق، والسداد، وأعظم ذلك الثبات على الدين والطاعة، والاستقامة على الهدى، وقد جمع اللَّه- تبارك وتعالى- كل هذه الأمور في قوله: «يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ».
وقوله: ((والعزيمة على الرشد)): أي في أمور معاشه وآخرته، والرشد هو الصلاح، والفلاح, والصواب، فلذلك كانت العزيمة على الرشد مبدأ الخير؛ فإن الإنسان قد يعلم الرشد، وليس له عليه عزيمة، فإذا عزم على فعله أفلح؛ فلهذا كان من أهم الأمور سؤال اللّه -تعالى- العزيمة على الرشد؛ ولهذا علم النبي -صلى الله عليه وسلم- أحد الصحابة أن يقول: « قل اللهم قني شر نفسي، واعزم لي على أرشد أمري».
قوله -صلى الله عليه وسلم- ((وأسألك موجبات رحمتك)): أي: نسألك من الأفعال، والأقوال، والصفات التي تتحصل بسببها رحمتك، والتي توجب بها الجنة التي هي أعظم رحماتك، كما قال -تعالى-: «وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّه هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ».
قوله: ((وعزائم مغفرتك)): العزائم: جمع عزيمة: وتعني: أسألك أن ترزقنا من الأعمال والأقوال والأفعال التي تعزم، وتتأكد بها مغفرتك، وهذا الدعاء من جوامع الكلم النبوية، فإنه سأله أولًا أن يرزقه ما يوجب له رحمة الله -عز وجل- ومن فعل ما يوجب له الرحمة، فقد دخل بذلك تحت رحمته التي وسعت كل شيء.
قوله: ((وأسألك شكر نعمتك)): أي أسألك التوفيق لشكر نعمك التي لا تُحصى؛ لأن شكر النعمة يوجب مزيدها، وحفظها، واستمرارها على العبد، كما قال الله -تعالى-: «وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ»، والشكر يكون: بالقلب، واللسان، والأركان.
قوله: ((وحسن عبادتك)): يكون بإتقانها، والإتيان بها على أكمل وجه، ويكون ذلك على ركنين: الأول:الإخلاص لله -تعالى- فيها، والثاني:المتابعة فيما جاء في الكتاب الحكيم، وسنة المصطفى -صلى الله عليه وسلم-.
وقوله: ((وأسألك قلبًا سليمًا)): هو القلب النقي من الذنوب، ومن الأهواء والبدع، ومن الفسوق والمعاصي: كبائرها، وصغائرها، الظاهرة، والباطنة، كالرياء، والعجب، والغِل، والغش، والحقد، والحسد، وغير ذلك، وهذا القلب السليم هو الذي لا ينفع يوم القيامة سواه, قال اللَّه- تعالى-: "يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ *إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ".
قوله: ((ولسانًا صادقًا)): أي محفوظًا من الكذب، والإخلاف بالوعد، وهو من أعظم المواهب, وأجل المنح ؛ فإنه أول الطريق إلى درجة الصديقيّة التي هي أعلى الدرجات بعد الأنبياء, قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: " عليكم بالصدق, فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة, وما يزال الرَّجُل يصدق, ويتحرى الصدق, حتى يكتب عند اللَّه صديقًا..." .
قوله: ((وأسألك من خير ما تعلم)): سؤال جامع لكل خير ما علمه العبد، وما لم يعلمه، فما من خير إلا وقد دخل فيه؛ لهذا أسنده إلى ربه -تعالى- العليم، الذي وسع علمه كل شيء.
قوله: ((وأعوذ بك من شر ما تعلم)): وهذه الاستعاذة شاملة من كل الشرور: صغيرها، وكبيرها، الظاهر منها، والباطن، حيث قيد الاستعاذة من الشرور الذي يعلمها سبحانه؛ لأن الله - تبارك وتعالى- يعلم كل شيء، وهذا في غاية التلطف، والأدب، والتعظيم للمولى حال الدعاء.
قوله: ((وأستغفرك لما تعلم)): ختم الدعاء بطلب الاستغفار الذي يعد خاتمة الأعمال الصالحة، كما في كثير من العبادات، وهويعم كل الذنوب التي عملها العبد في الماضي، والحاضر، والمستقبل، ((فإن من الذنوب ما لا يشعر العبد بأنه ذنب بالكلية، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لأبي بكر: ((يا أبا بكر لَلشرك فيكم، أخفى من دبيب النمل...)).
قوله ((إنك أنت علام الغيوب)): اختتم الدعاء باسم من أسمائه التي تدل على سعة العلم، فإن (علام) صيغة مبالغة لكثرة العلم وشموله، فهذا توسل جليل للمقام العظيم, فيه غاية الأدب والتعظيم.

