ترأس قداسة البابا لاون الرابع عشر،اللقاء المسكوني، والحوار بين الأديان، وذلك بساحة الشهداء، ببيروت، في لحظة بلغت فيها الحبر الأعظم إلى لبنان ذروة تعبيرها اللاهوتي، والإنساني، والاجتماعي.
فهذه الساحة، التي شهدت عبر العقود صرخات الاحتجاج، وارتدادات الانقسام، تحوّلت في هذا اليوم إلى مساحة لقاء وقرب ورجاء، جمعت تحت سمائها رؤساء الكنائس المسيحية الشرقية كافة، بجانب شخصيات بارزة من الطوائف الإسلامية، في مشهد قلّ نظيره في المنطقة.
جاء ذلك بمشاركة غبطة البطريرك الأنبا إبراهيم إسحق، بطريرك الإسكندرية للأقباط الكاثوليك، ورئيس مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك بمصر، وأصحاب الغبطة، بطاركة الكنائس الكاثوليكية الشرقية، ورؤساء مختلف الكنائس المسيحية، بجانب شخصيات بارزة من الطوائف الإسلامية.
وتجاوز خطاب الأب الأقدس حدود الدعوات التقليدية إلى "التعايش"، فإذ عبّر عن امتنانه لوجوده في هذه "الأرض المباركة" التي ارتقت بأشجار أرزها رمزًا للنفس الصالحة.
وأكد بابا الكنيسة الكاثوليكية أن لبنان، حيث تتعانق المآذن، والأجراس صعودًا نحو السماء، هو شاهد دائم على الإيمان بالإله الواحد، داعيًا إلى أن يمتزج صوت الدعاء في ترنيمة موحدة تطلب عطيّة السلام الإلهية بقلب صادق.
أسس لاهوتية
ووسط نظرات العالم المتوجسة من صراعات الشرق الأوسط، شدد قداسة البابا على أن لبنان يقدم مثالًا قويًا يثبت أن الوحدة، والمصالحة، والسلام ممكنة دائمًا، وأن الخوف والتحيز لا يملكان الكلمة الأخيرة. فالمهمة الخالدة لهذه الأرض هي الشهادة على الحقيقة التي لا تتبدل: قدرة المسيحيين، والمسلمين، والدروز، وغيرهم على العيش معًا في وحدة يغذيها الاحترام، والحوار.
وذكّر عظيم الأحبار بأن الحوار الحقيقي لا يستند إلى اعتبارات سياسية، أو مصلحية، بل يرتكز على أسس لاهوتية، وروحية عميقة تجمع أتباع الأديان الإبراهيمية.
وشبّه الأب الأقدس هذا الالتزام بشجرة الزيتون التي ترمز إلى المصالحة، والسلام في النصوص المقدسة، وتجسد الصمود والرجاء في أصعب الظروف.
وختامًا، وجه قداسة البابا لاون الرابع عشر نداءً إلى اللبنانيين المنتشرين حول العالم، داعيًا إياهم ليكونوا بناة سلام يتحدون التعصب، وينيرون طريق العدالة، والوئام بشهادة إيمانهم، رافعًا الصلاة، لكي يكون الحضنُ الحنونُ، والوالدي للعذراء مريم، أمّ يسوع وملكة السلام، نورًا هاديًا لكلّ واحد منهم، لكي تنسابَ في وطنهم، وفي جميع أنحاء الشرق الأوسط، والعالم بأسره، عطيّة المصالحة، والعيش المشترك بسلام، كالجداولِ التي تنبعُ من لبنان.







