في واحدة من أكثر الحوادث إثارة للجدل في تاريخ العلوم الطبيعية، تحولت دراسة أكاديمية اعتيادية إلى واقعة مفصلية انتهت بفقدان أقدم شجرة موثقة في العالم دون قصد، قطعت شجرة صنوبر شوكي نادرة عرفت لاحقا باسم «بروميثيوس»، لتصبح قصتها رمزا عالميا لخطأ علمي غير نظرتنا إلى حماية التراث الطبيعي وحدود التدخل البشري في النظم البيئية العتيقة.
دراسة علمية تنتهي بخسارة تاريخية
لم يكن قطع شجرة بروميثيوس نتيجة إهمال أو تخريب متعمد، بل جاء نتيجة خطأ في التقدير والمنهج العلمي.
ففي ستينيات القرن الماضي، لم تكن تتوفر تقنيات دقيقة وغير تدميرية لتحديد أعمار أشجار الصنوبر الشوكي، ما دفع الباحث الأمريكي دونالد آر. كوري إلى اتباع أسلوب بحثي تقليدي يعتمد على أخذ مقطع عرضي كامل من الشجرة لدراسة حلقات النمو.
آنذاك، كان الاعتقاد السائد أن هذه الأشجار، رغم قِدمها، ليست نادرة إلى درجة تستدعي حماية استثنائية، وهو ما مهّد لاتخاذ قرار لم يكن أحد يدرك عواقبه لاحقًا.
روايات متباينة حول سبب القطع
تضاربت الروايات حول السبب المباشر لقطع الشجرة؛ فبعض المصادر تشير إلى أن مثقاب كوري انكسر داخل الجذع أثناء محاولة أخذ عينة، فيما تقول روايات أخرى إن الباحث رأى أن الحصول على مقطع عرضي كامل أمر لا غنى عنه لتحقيق دقة علمية أكبر.
في جميع الأحوال، حصل كوري على تصريح رسمي من إدارة الغابات الأمريكية، وقام بقطع الشجرة دون أن يعلم أنه يتعامل مع حالة فريدة في تاريخ علم الأشجار.
الحقيقة تظهر بعد فوات الأوان
لم تتكشف القيمة الحقيقية لشجرة بروميثيوس إلا بعد قطعها فبعد تحليل المقطع الخشبي، أمضى كوري نحو أسبوع كامل في عد حلقات النمو باستخدام عدسة مكبرة، لتظهر النتيجة الصادمة 4862 حلقة نمو.
وبما أن أشجار الصنوبر الشوكي التي تنمو في البيئات القاسية لا تشكل حلقة نمو كل عام، قدر العلماء عمر الشجرة بما يتراوح بين 4900 و5000 عام، لتتضح الحقيقة المؤلمة لم تكن بروميثيوس مجرد شجرة معمّرة، بل أقدم شجرة موثقة في عصرها الحديث.
سر العمر الطويل لأشجار الصنوبر الشوكي
تنمو أشجار الصنوبر الشوكي في حوض «غريت باسين» ببطء شديد، ولا يتجاوز ارتفاعها عادة ستة أمتار، لكنها تمتلك قدرة استثنائية على تحمل الظروف البيئية القاسية كما يمكن لأجزاء كبيرة منها أن تموت دون أن يؤثر ذلك على بقاء الشجرة ككل.
هذه الخصائص، بحسب موقع IFLScience، هي السر وراء أعمارها المديدة وقدرتها الفريدة على الصمود لآلاف السنين في بيئات شبه مستحيلة.
إرث علمي غير سياسات الحماية
شكلت حادثة بروميثيوس نقطة تحول في تعامل العلماء والسلطات مع الأشجار المعمرة، وأسهمت في سن سياسات أكثر صرامة لحماية هذا النوع من الأشجار داخل الأراضي الفيدرالية الأمريكية.
ورغم أن ما تبقى من بروميثيوس اليوم لا يتجاوز جذعا صامتا، فإن قصتها لا تزال حية، تذكر العالم بأن الخطأ العلمي لا يكون دائمًا في النوايا، بل أحيانا في التقدير، وأن بعض خسائر الطبيعة لا يمكن تعويضها مهما كانت دوافع العلم نبيلة.


