أعلنت وزارة الثقافة عن دعوة موسَّعة للجمهور لزيارة متحف محمد ناجي، التابع لقطاع الفنون التشكيلية، وذلك ضمن مبادرة "فرحانين بالمتحف الكبير.. ولسه متاحف مصر كتير"، التي تنظم برعاية الدكتور أحمد فؤاد هنو وزير الثقافة، وتهدف إلى التأكيد على أن الإبداع المصري لا يقتصر على نطاق جغرافي بعينه، بل يمتد ليشمل متاحف نوعية موزعة في مختلف المحافظات.
ويُعد متحف محمد ناجي من أبرز المتاحف الفنية المتخصصة في توثيق مسيرة رواد الفن التشكيلي المصري الحديث، أسسه الفنان الكبير محمد ناجي عام 1952 كمرسم خاص به، قبل أن يتحول بعد وفاته إلى متحف فني يوثق تجربته الإبداعية والإنسانية، وافتُتح رسميًا في 13 يوليو عام 1968 على يد وزير الثقافة الأسبق ثروت عكاشة، ثم جرى تجديده وتطويره عام 1991.
ومحمد ناجي هو أحد رواد فن التصوير المصري الحديث؛ ولعب دورًا محوريًا في تشكيل ملامح الحركة التشكيلية المصرية خلال النصف الأول من القرن العشرين. وبعد عودته من فلورنسا، حيث تلقى تدريباته الفنية، تولّى إدارة متحف الفن الحديث عام 1952، وهو ما دفعه إلى إنشاء مرسمه الخاص بالقرب من منطقة الأهرامات، لاستكمال عدد من مشروعاته الفنية الكبرى، وعلى رأسها لوحة «مدرسة الإسكندرية». وبعد وفاته عام 1956، قامت وزارة الثقافة بشراء المرسم عام 1962 تمهيدًا لتحويله إلى متحف يحمل اسمه، وأهدت شقيقته الفنانة عفت ناجي للمتحف أربعون لوحة زيتية من أعماله، إلى جانب مجموعة كبيرة من الرسومات التحضيرية ومتعلقاته الشخصية.
يضم المتحف حاليًا نحو 1200 عمل فني متنوع، تشمل لوحات زيتية ورسومات ودراسات فنية، بالإضافة إلى مقتنيات شخصية للفنان، تعكس ملامح حياته اليومية واهتماماته الخاصة. وتنقسم مكونات المتحف إلى صالتين رئيسيتين؛ الأولى كانت المرسم الأصلي للفنان، بينما استحدثت وزارة الثقافة الصالة الثانية لعرض الأعمال الفنية، إلى جانب مكتبة متخصصة ومخزن يضم عددًا من اللوحات والمقتنيات.
ويضم المتحف ايضًا عددًا من المقتنيات الخاصة بمحمد ناجي، من بينها كرسيه الهزاز الشهير، وصندوق خشبي يضم بدلاته الرسمية، وقطع أثاث عتيقة تعود إلى بدايات القرن العشرين، في دلالة على شخصيته الأنيقة وذوقه الرفيع، الذي انعكس بوضوح على أعماله الفنية ومسيرته المهنية.
وتتميز القاعة التي أضافتها وزارة الثقافة بتصميم معماري يتناغم مع طابع المرسم الأصلي، حيث تتصدرها لوحة سقفية ضخمة بعنوان "جني البلح"، تجسد عادات المصريين في حصاد التمور، إلى جانب لوحة "موسى" التي تعكس تأثر ناجي بالقصص القرآني، والتي رسمها عام 1939. كما يحضر نهر النيل بقوة في أعماله، من خلال لوحات تصور فرحة أبناء الجنوب بموسم الفيضان وما يحمله من خير ونماء.
وتنقسم أعمال محمد ناجي المعروضة بالمتحف إلى ثلاث مراحل فنية رئيسية؛ الأولى تأثر فيها بالمدرسة الأكاديمية الإيطالية والانطباعية خلال دراسته في أوروبا، قبل أن يطوّع هذه المدارس برؤية مصرية خالصة تعكس حياة الفلاحين والبسطاء في الريف. أما المرحلة الثانية، فشهدت تحولات واضحة في أسلوبه الفني عقب رحلته إلى الحبشة عام 1931، حيث تأثر بالطبيعة الإثيوبية الزاخرة بالألوان والمناظر، وصور عددًا من الشخصيات البارزة هناك، من بينها الإمبراطور هيلا سيلاسي. وجاءت المرحلة الثالثة لتعكس انغماسه في الداخل المصري، من خلال تجواله بالمحافظات وتوثيقه لعادات الريف، كما في لوحات «الرحايا» و«الطب في الريف»، التي رصدت تفاصيل الحياة اليومية والعلاج الشعبي والعادات الاجتماعية.
كما قدم ناجي رؤية فنية عميقة للعادات والتقاليد المصرية، لا سيما خلال زياراته إلى الأقصر، حيث وثّق مظاهر الفرح والحزن في المجتمع الصعيدي، إلى جانب اهتمامه بالقضايا الوطنية وتأثره بالحركة الوطنية المصرية في عشرينيات القرن الماضي، وهو ما تجلى في أعمال مستوحاة من حادثة دنشواي وشخصية الزعيم مصطفى كامل، فضلًا عن لوحة كبيرة تصور «جوليت آدم» الأم الروحية للحركة الوطنية.
ولا يقتصر المتحف على عرض أعمال ناجي الفنية فحسب، بل يقدم أيضًا لمحة شاملة عن حياته الشخصية وعلاقاته الإنسانية، من خلال بورتريهات لعائلته وشقيقته الفنانة عفت ناجي، فضلًا عن صور لشخصيات وطنية وثقافية بارزة مثل هدى شعراوي وطه حسين وأحمد شوقي، الذين عبّر ناجي عن تقديره لهم بريشته الخاصة.
وتؤكد وزارة الثقافة أن متحف محمد ناجي يمثل محطة ثقافية وفنية مهمة ضمن خريطة المتاحف المصرية، ويجسد نموذجًا فريدًا للتكامل بين الفن والتاريخ والهوية الوطنية، داعية الجمهور إلى زيارته والتعرف عن قرب على تجربة أحد رواد الفن التشكيلي المصري، وذلك في إطار مبادرة «فرحانين بالمتحف الكبير.. ولسه متاحف مصر كتير»، التي تسعى إلى إعادة اكتشاف الكنوز الثقافية الكامنة في متاحف مصر المتنوعة.
9 ش محمود الجندي - حدائق الأهرام القديمة - أول طريق مصر اسكندرية, جيزة ، مصر
هاتف : +20 2 33773484
بريد إليكتروني : [email protected]

