في خضم اشتداد الأزمة السودانية وتداخل مساراتها الإقليمية والدولية، تُفتح القاهرة من جديد أمام رئيس مجلس السيادة الانتقالي والقائد العام للقوات المسلحة الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان.
الزيارة التي تستمر يوماً واحداً فقط، تأتي في توقيت بالغ الحساسية، حيث تتشابك ملفات الحرب وتداعياتها الإنسانية والسياسية، بينما تتحرك القوى الدولية في اتجاه إيجاد نافذة لحل سياسي شامل يوقف النزيف المستمر منذ أبريل 2023.

استقبال رئاسي ورسالة سياسية واضحة
وصل البرهان إلى القاهرة الخميس، وكان في استقباله الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي لدى وصوله إلى مطار القاهرة الدولي، في دلالة سياسية معتادة من القاهرة عند استقبال القيادات السودانية، وتأكيد على عمق العلاقات بين البلدين.
وتتضمن الزيارة عقد جلسة مباحثات رسمية بين السيسي والبرهان، تركّز على تطوير العلاقات الثنائية وتعزيز التعاون في مختلف المجالات، في ظل ظروف سياسية وإنسانية معقدة يعيشها السودان.
الوفد المرافق ودلالاته
يرافق البرهان في زيارته وفد رفيع المستوى يضم:
- وكيل وزارة الخارجية معاوية عثمان خالد
- مدير جهاز المخابرات العامة الفريق أول أحمد إبراهيم مفضل
وهذا التشكيل يعكس طبيعة الملفات المطروحة، والتي تتداخل فيها الجوانب السياسية والأمنية والدبلوماسية.
موقف مصري ثابت تجاه السودان
شدد الرئيس السيسي في أكتوبر الماضي خلال لقائه البرهان على "رفض أي محاولات تهدد وحدة السودان أو تمس تماسكه الوطني".
القاهرة تتمسك برفض أي كيانات موازية للحكومة الشرعية، وتؤكد ضرورة الحفاظ على الجيش السوداني كعمود فقري للدولة.
بحث تسوية الأزمة السودانية
بيان الرئاسة المصرية أوضح أن الاجتماع سيناقش "سبل تسوية الأزمة السودانية" مع دعم كامل لمسارات إيقاف الحرب، سواء عبر القنوات الثنائية أو من خلال الأطراف الإقليمية والدولية المؤثرة.
أهمية الآلية الرباعية
ناقش الجانبان بوضوح الدور الحيوي للآلية الرباعية (مصر، الإمارات، السعودية، الولايات المتحدة)، باعتبارها المظلة الأكثر تأثيرًا للتوصل إلى وقف شامل للحرب وإطلاق مسار سياسي مستدام.
ويتطلع الطرفان لنتائج اجتماع الرباعية المرتقب في واشنطن خلال أكتوبر، أملاً في تحقيق خطوات ملموسة تعيد طرفي الصراع إلى طاولة الحوار.
جهود دولية لوقف النار
كانت الرباعية قد وضعت خطة هدنة لثلاثة أشهر، تليها مفاوضات سلام، ودعت إلى انتقال سياسي خلال 9 أشهر.
ورغم إعلان قوات الدعم السريع قبول الخطة، فإنها عادت لشن هجمات واسعة بطائرات مسيّرة على مواقع تابعة للجيش، ما يعكس هشاشة الالتزامات الميدانية.
منذ اندلاع الحرب في أبريل 2023 بين الجيش وقوات الدعم السريع، يعيش السودان أكبر أزمة نزوح عالمية، تجاوزت حدود البلاد لتؤثر في أمن المنطقة واستقرارها.
وتتابع القاهرة تطورات الحرب بحساسية بالغة، لكون السودان يمثل عمقًا استراتيجيًا مباشراً للأمن القومي المصري.
وحدة الموقف بين القاهرة والخرطوم
ستتطرق المباحثات أيضًا إلى ملف الأمن المائي، حيث يجدد البلدان موقفهما المتماسك كدولتي مصب لنهر النيل.
ويأتي التأكيد على ضرورة الالتزام بالقانون الدولي في إدارة حوض النيل الشرقي، مع رفض أي إجراءات أحادية قد تمس حقوق دول المصب.
تعزيز التعاون المصري–الكونغولي
في سياق منفصل، تلقى الرئيس السيسي اتصالًا هاتفيًا من الرئيس فيليكس تشيسيكيدي، تناول العلاقات الثنائية والزخم المتنامي بين البلدين.
السيسي أعرب عن تقديره للتشاور المستمر، وأكد تطلعه لاستضافة الرئيس الكونغولي قريبًا لتعزيز التعاون.
ملف شرق الكونغو واتفاقات السلام
الطرفان ناقشا تطورات الوضع في شرق الكونغو، ورحب السيسي بتوقيع اتفاق الدوحة للسلام، وأكد دعمه لاتفاق واشنطن في ديسمبر 2025.
كما جدّد استعداد مصر لتوفير المحافل اللازمة لدفع جهود التسوية، بما يحقق الأمن والاستقرار في منطقة البحيرات العظمى.
زيارة البرهان إلى القاهرة تأتي في لحظة سياسية معقدة، تتشابك فيها تطورات الحرب السودانية مع حسابات الأمن الإقليمي.
وتسعى مصر، عبر الرباعية الدولية والمباحثات الثنائية، لتثبيت مسار سياسي يفضي إلى وقف إطلاق النار، ويحفظ وحدة السودان وأمنه، بالتوازي مع تعزيز التعاون الثنائي في الملفات الحيوية وعلى رأسها الأمن المائي.
وفي ظل استمرار الأزمة، تمثل القاهرة إحدى أهم العواصم التي تراهن عليها الأطراف الإقليمية والدولية لإعادة بناء الجسور وإحياء مسار السلام في السودان.