مع اقتراب شهر رجب، يحرص كثير من المسلمين على الإكثار من الطاعات، انطلاقًا من مكانة هذا الشهر في الإسلام، وفي هذا الإطار أوضحت دار الإفتاء المصرية أن من مظاهر تعظيم شهر رجب الإكثار من القربات والأعمال الصالحة، مثل الصلاة، والصيام، والصدقة، والعمرة، والذكر، وسائر الطاعات.
وأكدت دار الإفتاء أن العمل الصالح في هذا الشهر، شأنه شأن باقي الأشهر الحرم، له منزلة عظيمة وأجر كبير عند الله تعالى.
وبينت دار الإفتاء، في معرض ردها على تساؤل حول حكم تخصيص شهر رجب بزيادة العبادة دون ورود نص خاص، أن الأصل في العبادات جواز أدائها في جميع أوقات السنة، ما لم يرد نص شرعي يمنع ذلك.
وأشارت إلى أن الشريعة لم تمنع العبادة في زمن معين إلا في حالات محددة، مثل تحريم الصيام في يومي عيد الفطر وعيد الأضحى وأيام التشريق، وما عدا ذلك فالأبواب مفتوحة للتقرب إلى الله في أي وقت.
وأكدت دار الإفتاء أن فضل شهر رجب وتعظيمه أمر ثابت، بغض النظر عن اختلاف درجات الأحاديث الواردة في فضائله، سواء كانت صحيحة أو ضعيفة أو حتى غير ثابتة، لأن مكانته مستمدة أصلًا من كونه أحد الأشهر الحرم التي نص القرآن الكريم على تعظيمها، كما جاء في قوله تعالى:
﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ﴾.
وقد حدّد النبي صلى الله عليه وآله وسلم هذه الأشهر في الحديث الصحيح، فذكر أن ثلاثة منها متتابعة وهي ذو القعدة وذو الحجة والمحرم، والرابع منفرد وهو رجب الذي يقع بين جمادى الآخرة وشعبان.
وفي هذا السياق، نقل الإمام الطبري في تفسيره عن التابعي قتادة قوله إن المعصية في الأشهر الحرم أعظم إثمًا من غيرها، وإن كان الظلم في ذاته عظيمًا في كل وقت، إلا أن الله تعالى يضاعف شأن ما يشاء من الأزمنة.
كما أورد عنه كلامًا جامعًا يبيّن أن الله اصطفى من خلقه وأوقاته وأماكنه ما شاء، ومنها الأشهر الحرم، داعيًا إلى تعظيم ما عظّمه الله، وهو ما يدل على خصوصية هذه الأزمنة ورفعة قدرها.
وفيما يتعلق بالصيام في شهر رجب، فقد أوضحت دار الإفتاء أن الصيام فيه جائز في أوله أو وسطه أو آخره، ولا حرج في ذلك مطلقًا، استنادًا إلى القواعد العامة التي تحث على صيام التطوع.
ولم يرد أي دليل صحيح يمنع الصيام في هذا الشهر، بل إن القاعدة الأصولية تقرر أن النصوص المطلقة تشمل جميع الأزمنة والأمكنة والأحوال، ولا يجوز تقييدها أو منعها إلا بدليل، وإلا كان ذلك تضييقًا لما وسّعه الله ورسوله.
وذكرت دار الإفتاء ما ورد في فضل الصيام في رجب من آثار، ومنها ما رواه البيهقي عن أبي قلابة رضي الله عنه أنه قال: إن في الجنة قصرًا لصوام رجب، وقد علّق الإمام أحمد بأن هذا القول وإن كان موقوفًا على تابعي، فإن مثله لا يُقال من قِبل الرأي المجرد، وإنما له أصل يُتلقى ممن فوقه.
والخلاصة أن الشريعة لم تُحدِّد عبادة بعينها مخصوصة لشهر رجب دون غيره، وإنما يُستحب فيه الإكثار من سائر الطاعات المشروعة، دون اعتقاد وجوب أو سُنِّيَّة عبادة معينة بعينها، فالتقرب إلى الله فيه يكون بما هو مشروع في سائر الأيام، مع استحضار فضل الزمان وتعظيمه.



