بمناسبة الذكرى الستين لإصدار المرسومين المجمعيين "في التنشئة الكهنوتية"، و "حياة الكهنة وخدمتهم"، أصدر قداسة البابا لاون الرابع عشر، رسالة رسولية جديدة حملت عنوان "أمانةٌ تُولِّدُ مستقبلًا"، رسم فيها ملامح رؤية كنسية متجددة للكهنوت، مستلهمة روح المجمع الفاتيكاني الثاني، وتحديات العصر الراهن.
وأكد الحبر الأعظم في مستهل الرسالة أن الأمانة للدعوة الكهنوتية لا تعني التمسك الشكلي بالماضي، بل هي نعمة حيّة، ومسيرة ارتداد يومي تفتح أبواب الرجاء للمستقبل.
ووجّه الأب الأقدس كلمة تقدير وامتنان للكهنة الذين يخدمون في صمت وأمانة، مشددًا على أن تجديد الكنيسة يمرّ عبر خدمة كهنوتية تحيا بروح المسيح، وتنبع من محبة قلبه.
التنشئة الدائمة
وأولت الرسالة اهتمامًا خاصًا بمسألة التنشئة الدائمة، معتبرةً إياها مسارًا يرافق الكاهن طوال حياته، لا مرحلة دراسية تنتهي. وفي هذا الإطار، دعا بابا الكنيسة الكاثوليكية إلى تعزيز النضج العاطفي في التنشئة الكهنوتية، كي تتحول الإكليريكيات إلى مدارس للمشاعر، تساعد على التصالح مع الذات، وتُعدّ كهنة قادرين على أن يكونوا جسورًا للقاء بالمسيح، لا عوائق أمامه.
وشدد قداسة البابا على ضرورة مواجهة الجراح التي تعاني منها الكنيسة، ولا سيما تلك المرتبطة بأزمة الإساءات، وترك الخدمة الكهنوتية، داعيًا إلى معالجتها بشفافية وتواضع، مع إعطاء الأولوية للعناية بالأشخاص، وقصصهم الإنسانية.
وحذّر الأب الأقدس من مخاطر العزلة، والمرجعية الذاتية، مؤكدًا أن الأخوّة الكهنوتية ليست خيارًا ثانويًا، بل شهادة نبوية أساسية، كما أبرز أهمية السينودسية في الحياة الكنسية، داعيًا إلى التخلي عن منطق السلطة بوصفها سيطرة، واعتماد قيادة تقوم على الخدمة، والتعاون مع الشمامسة، والعلمانيين، وتثمين مواهب جميع أعضاء شعب الله.
وفي ما يتعلق بعصر التواصل الرقمي، وجّه عظيم الأحبار نداءً إلى التمييز الإنجيلي، محذرًا من هوس الظهور، والاحتفاء بالذات، ومؤكدًا أن الكاهن مدعو للتواري، كي يبقى المسيح، من خلال محبة رعوية متوازنة تجمع بين العمل، والتأمل.
واختتم قداسة البابا لاون الرابع عشر رسالته بالدعوة إلى عنصرة متجددة في مسيرة الدعوات، واضعًة الكهنة، والشمامسة تحت حماية مريم العذراء، وشفاعة القديس يوحنا ماري فياني، مؤكدًا أن الكهنوت الأصيل هو ذاك الذي يبذل ذاته بالكامل، ليكون علامة حيّة لأمانة لا تخيب، ورجاء يولّد مستقبلًا للكنيسة، والعالم.



