كشفت دراسة علمية حديثة، مدعومة بعقود من رصد الأرض من الفضاء، أن الفصول الأربعة لم تعد تسير وفق إيقاع واحد كما كان يُعتقد فبحسب باحثين من جامعة كاليفورنيا في بيركلي، فإن الربيع والصيف والخريف والشتاء قد تختلف توقيتاتها بشكل لافت، ليس فقط بين نصفي الكرة الأرضية، بل حتى داخل الإقليم الواحد والمناطق المتجاورة.
الدراسة، التي نشرتها مجلة Nature، قدمت أدق خريطة عالمية حتى الآن لتغير الفصول والنظم البيئية، كاشفة عن عالم طبيعي أكثر تعقيدًا وأقل قابلية للتنبؤ.
الفصول ليست واحدة للجميع
أظهرت البيانات أن المناطق القريبة جغرافيا، وحتى الواقعة على خط العرض نفسه، قد تعيش فصولًا مختلفة في التوقيت والشدة، هذا التباين لا ينعكس على الطقس فحسب، بل ينعكس أيضا على النظم البيئية، حيث تتكيف النباتات والحيوانات مع إيقاعات موسمية محلية خاصة بها.
ويشبه العلماء هذا الاختلاف بما يشبه «المناطق الزمنية»، لكن بدل أن يرسمها الإنسان، ترسمها الطبيعة نفسها.
فسيفساء موسمية ترصدها الأقمار الصناعية
اعتمد الباحثون على بيانات أقمار صناعية جمعت على مدى 20 عاما، مكنتهم من رسم خريطة دقيقة تظهر فسيفساء معقدة من الدورات الموسمية حول العالم.
ومن الأمثلة اللافتة مدينتا فينيكس وتوسون في ولاية أريزونا الأميركية، إذ لا تفصل بينهما سوى 160 كيلومترا، ومع ذلك تختلف دوراتهما المناخية جذريا ففي توسون تبلغ ذروة الأمطار خلال الرياح الموسمية الصيفية، بينما تشهد فينيكس ذروتها في يناير، ما ينعكس على طبيعة الغطاء النباتي والحياة البرية في كل مدينة.
اختلاف المواسم داخل البلد الواحد
ولا يقتصر هذا التباين على المدن، بل يمتد إلى المناطق الزراعية ففي كولومبيا، على سبيل المثال، قد يبدأ موسم حصاد البن في مزارع متجاورة بفارق يصل إلى عدة أشهر، بسبب اختلاف الارتفاعات والأنماط المناخية الدقيقة، ما يفرض على المزارعين استراتيجيات تكيف متباينة.
مناطق التنوع البيولوجي حيث تختل الإيقاعات
ركزت الدراسة على المناطق المعروفة بغناها بالتنوع البيولوجي، مثل حوض البحر الأبيض المتوسط، وكاليفورنيا، وتشيلي، وجنوب إفريقيا، وجنوب أستراليا.
وفي هذه المناطق تحديدا، لوحظ أن ذروة نمو الغابات تأتي متأخرة بنحو شهرين مقارنة بنظم بيئية أخرى ذات مناخ متشابه، ما يخلق ظروفا فريدة لظهور أنواع جديدة وتسريع التباين التطوري.
عدم تزامن الفصول محرك للتطور
يشير الباحثون إلى أن اختلاف توقيت توفر الموارد مثل الماء والغذاء والضوء قد يؤدي إلى تكاثر أفراد النوع الواحد في أوقات مختلفة ومع مرور الزمن، قد يمنع ذلك التزاوج بينهم، ويفتح الباب أمام نشوء أنواع جديدة مستقلة، ما يجعل عدم تزامن الفصول عاملًا مهمًا في مسار التطور البيولوجي.
تحديات أمام نماذج المناخ التقليدية
تكشف النتائج عن قصور في نماذج المناخ التقليدية التي تفترض فصولًا ثابتة ومتزامنة ويؤكد العلماء أن فهم التأثير الحقيقي لتغير المناخ يتطلب التركيز على الخصائص المحلية الدقيقة، إذ يمكن لاختلافات طفيفة بين مناطق متجاورة أن تؤثر على صحة الإنسان، والإنتاج الزراعي، واستقرار النظم البيئية.
القطب الشمالي مثال على التعقيد البيئي
في القطب الشمالي، توصل علماء إلى اكتشاف مجتمعات ميكروبية غير تقليدية قادرة على تثبيت النيتروجين دون الحاجة إلى التمثيل الضوئي ويُرجح أن تلعب هذه الكائنات دورًا مهمًا في دورات المغذيات مع ذوبان الجليد، وربما في تعزيز امتصاص المحيطات لثاني أكسيد الكربون، ما قد يؤثر على المناخ العالمي.
آفاق جديدة للبحث والتخطيط
يفتح هذا الاكتشاف آفاقا واسعة أمام علماء البيئة والأحياء والزراعة، لفهم تأثير عدم تزامن المواسم على انتشار الأمراض، وإنتاج الغذاء، وقدرة الأنظمة الطبيعية على مواجهة الظواهر المناخية المتطرفة.
ويؤكد الباحثون أن إعادة النظر في مفهوم الفصول التقليدي لم تعد ترفا علميا، بل ضرورة لفهم كوكب سريع التغير، والتخطيط لمستقبل أكثر استدامة في ظل الاحتباس الحراري العالمي.




