قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

حديث مع النفس

0|يحيى قدرى

اليوم وبعدما زالت الوعكة الصحية التي كانت تلازمني خلال الأيام السابقة والتي حالت بيني وبين القراء الأعزاء من حيث التواصل الإسبوعي فاسمحوا لي أن أتقدم لكم جميعاً بإعتذاري الشديد عن عدم كتابة المقال الأسبوعي الذي أتشرف اليوم أن أعود إليه.
اتاحت مرحلة الوعكه الصحيه لي أن أستعيد الزكريات التي مرت في حياتي وبمناسبة هذه الذكريات فاسمحوا لي أن اروي حديث دار فيما بيني وبين الشاعر الكبير الأستاذ أحمد رامي في لقاء جمعني معه في احتفال تم بمنزلنا في حضور جمع من الشعراء العظام في اوائل الستينات اقامه والدي لهم بحسبان أنهم جميعاً أعضاء في لجنة الشعر بالمجلس الأعلي للفنون والأداب.
وحيث أنني كنت من أكثر المعجبين بشعر الأستاذ أحمد رامي فقد تسللت داخل غرفة الصالون وجلست في مقعد مجاور له وحيث تحينت الفرصة ووجهت إليه السؤال الذي كان يراودني كثيراً حيث سألته أرجو من حضرتك أن تخبرني بأقرب أبيات الشعر التي كتبتها الي قلبك وأنشدتها سيدة الغناء العربي أم كلثوم حيث ابتسم الأستاذ وقال لي هل استمعت الي قصيدة ذكريات فقلت نعم يا عمي فقال هو البيت الذي اقول فيه:
كيف أنسي ذكرياتي وهي أحلام حياتي
أنها صورة أيامي علي مرآة ذاتي
وحيث جري شريط الذكريات ليعيدني الي جلسات الأدباء التي كان أبي يصحبني معه إليها أو تلك التي كانت تنعقد في منزلنا وكنت حريصاً علي التواجد بها ولازلت أذكر ضحكات هؤلاء القمم في مداعبتهم لبعض عن طريق قصائد الهجاء والتي كانت تدور بين كل من الشاعر الكبير الأستاذ/ محمود غنيم والشاعر الكبير الأستاذ/ العوض الوكيل وابي حسن كامل الصيرفي وحيث كانت قصائد الهجاء التي يحوطها المرح والإعزاز تصدر عن كل منهم خلال الجلسة بدون أي تحضير.
بل كان يبدأ أحد منهم بقراءة أبيات من الشعر في هجاء الآخرين حيث يتم الرد الفوري من كل منهم علي من بدأ وحيث كان يطول هذا الرد الشعراء الآخرين ثم يبدأ نقاش أدبي رائع في تحليل قصيدة سواء من الشعر الجاهلي أو من الشعر الحديث أو ابداء بعض المقارنات بين عمالقة الشعر في العالم العربي سواء من رحلوا أو من كانوا علي قيد الحياه بينهم وكانت المحبه والتقدير والاحترام هي المظله التي كانت تظلل علاقة هؤلاء الخالدون ببعضهم البعض.
وقد أخذتني هذه الذكريات الي أن أعود الي ما كان يدور بيني وبين ابي فقد كان شديد الاهتمام بما أراه عن كل قصيدة جديدة له وللحقيقة فقد كان أبي هو المثل الأعلي لي في كل شئ وكانت أهم صفاته هي قبول النقد ومناقشة من يتحدث معه سواء ناقداً لقصيده له أو معجباً بها وبالأسلوب الذي يمكن أن يستوعبه هذا الناقد وقد شرفت بأن اكون منهم فقد كنت وحدي من عايش ولادة الكثير من القصائد وحيث كانت هذه الولاده تتم في أي مكان نكون متواجدين فيه فكم رأيته يخرج قلماً وورقه من داخل أحد جيوب البدله التي يرتديها ونحن في السيارة وهو يجلس بجانبي ليخط بدايه قصيدة قد تولدت لديه من منظر مررنا به أو حدث مصاحب لهذه اللحظه وحيث كانت التعليمات التي تشرف عليها بصرامه والدتي هي الامتناع الكلي عن الحديث اذا بدأت هذه الولاده وفي أي مكان ولازلت أتذكر يوم السابع من أكتوبر عام 1973 فعندما نزلت من شقتي الي شقتهما في الصباح الباكر حتي نتبادل فرحة النصر فقد فوجئت بوالدتي وهي تشير لي بالسكوت وعندما دخلت غرفة مكتبه كان يضع أمامه جريدة الأهرام القاهرية وفي صدرها صور الأسري الاسرائيليون وقد جلسوا علي الأرض ورفعو أيديهم الي رؤوسهم وحيث همست في داخلي سبحان المعز المذل وما هي الا لحظة وكان قد انتهي من اتمام قصيدته وحيث فوجئت ببدايتها:
(سبحانك اللهم يا معز .......... سبحانك اللهم يا مذل).
كانت هذه أجواء الشاعر وكنت أعايش هذه الأجواء وكانت جلساتنا نحن الثلاثه هو وأمي وأنا تمضي معظم أوقاتنا في القراءه وحيث كان كل منا يطرح فكره لنناقشها وقد كانت أفكاري مجالاً خصباً للدعابة منهما او لسماع ذكرياته مع أصدقاء عمره مثل الشاعر الكبير أحمد زكي أبو شادي، ابراهيم ناجي، علي محمود طه وباقي جماعة أبوللو الشعرية التي تنبت مذهب الرومانسية ومطابقة موسيقي القصيدة لموضوعها وهنا لا يمكنني أن أتعرض الي تقنيات الشعر العربي الذي لم أكن سوي حاضراً لجلساته معجباً برموزه.
أن شريط الذكريات الذي اعتذر عن أني قد أكون اثقلت عليكم.

عند التعرض له ولكني أوؤكد لحضراتكم أنه كان زمناً رائعاً قدر الله لي أن أعايشه.
وللحديث بقيه،،،