نعيم الدنيا زائل ورزق ربك خير وأبقى

"وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى" سورة طه : آية 131 : مكية .
قيل فى سبب نزول هذه الآية ماورد عن أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ضيفاً نزل برسول الله فدعاني فأرسلني إلى رجل من اليهود يبيع طعاماً يقول لك محمد رسول الله نزل بنا ضيف ولم يلق عندنا بعض الذي نصلحه فبعني كذا وكذا من الدقيق أو سلفني إلى هلال رجب فقال اليهودي لا أبيعه ولا أسلفه إلا برهن قال فرجعت إليه فأخبرته قال والله إني لأمين في السماء أمين في الأرض ولو أسلفني أو باعني لأديت إليه اذهب بدرعي ونزلت هذه الآية تعزية له عن الدنيا .
فى هذه الآية الكريمة يقول الله تعالى لنبيه (صلى الله عليه وسلم) أن لاينظر إلى هؤلاء المترفون الجبابرة والمعاندين على أنهم في نعيم فإن هذا النعيم هو زهرة زائلة ونعمة حائله لنختبرهم بذلك وقليل من عبادى الشكور .
معنى الآية : مد العين هو ألا تقتصر على مجرد النظر على قَدر طاقتها إنما يُوجهها باستزادة ويوسعها لترى أكثر مما ينبغي، ومد العين يأتي دائماً بعد شغل النفس بالنعمة وتطلعها إليها ، فإن الله تعالى يقول لنبيه (صلى الله عليه وسلم)لا تمد عينيك معجباً ولا تكرر النظر مستحسناً إلى أحوال الدنيا والممتعين بها لأن هذا النعيم زهرة الدنيا التي سرعان ما تفنى .
وقوله تعالى"مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا " الأزواج لا يُراد بها هنا الرجل والمرأة إنما تعني الأصناف المقترنة ، والزهرة إشارة إلى سرعة النهاية والحياة القصيرة ، وهي زهرة لحياة دنيا ، أى والذين أعطيناهم من متاع الدنيا الزائل فأخذوا يزهُون به سيندمون حيث لاتنفع الندامة .
وقوله تعالى"لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ" فالفتنة هى الأختباروالاختبار يكون بالخير كما يكون بالشر، أى فإنما جعلها الله تعالى فتنة واختبار ليعلم سبحانه من يقف عندها ويغتر بها ومن هو أحسن عملاً .
ثم يقول تعالى "وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى" أي لا تشغل بالك بما أعطاهم الله لأنه سبحانه سيعطيك أعظم من هذا ورزق ربك خير من هذا النعيم الزائل وأبقى وأخلد لأنه دائم لا ينقطع في دار البقاء التي لا تفوتها ولا تفوتك، أما هؤلاء فنعيمهم موقوت إما أن يفوتهم بالفقر أو يفوتوه هم بالموت .
ما يستفاد من هذه الآية أن العبد إذا رأى من نفسه طموحاً إلى زينة الدنيا وإقبالاً عليها فلابد أن يذكرها ما أمامها من رزق ربها عزوجل وأن يوازن العبد بين هذا وهذا .