فشل الإسلام السياسي في الحكم لا يعني فشل الإسلام

يخطئ من يظن أن التاريخ أمر مضى وانقضى ، فالحاضر هو امتداد للماضي بخيره وشره، وانتصارات اليوم هي انعكاس لانتصارات الامس، وانكسارات الحاضر هي نتيجة حتمية لانكسارات الماضي ، ولذلك فإن من لا يحسن قراءة التاريخ لا يحسن فهم الحاضر ولا الاستعداد للمستقبل.
من هنا تنبع اهمية اعادة قراءة التاريخ الاسلامي لاستخلاص الدروس والعبر ، وتزداد اهمية القراءة النقدية عندما يصبح التاريخ جزءا من مشروع سياسي يعتمد في جانب من خطابه على التاريخ كما هو الحال بالنسبة الى التيار الاسلامي.
بداية لا بد ان نؤكد على حقيقة هامة وهي ان التجربة البشرية في كل زمان ومكان هي مزيج من النجاح والفشل، بعد أن أفضت أحداث الربيع العربي إلى إزاحة الرئيس التونسي زين العابدين بن علي والمصري حسني مبارك عن الحكم وفتحت صناديق الاقتراع ليختار الناس من يمثلهم ويحكمهم، حصلت حركة الإخوان المسلمين على الأغلبية في مصر وشقيقتها في المنهج والتابعية (النهضة) على الأغلبية في تونس أيضاً؛ وذلك لشعور الناس العام بأن اتجاه الطرح إسلامي، ولمعاقبة فلول الأنظمة السابقة. فتحوُّل الإخوان من حركة معارضة ليس عليها تبعات ومسؤولية دولة وشعب إلى حركة مسؤولة عن إدارة شؤون الناس ورعايتهم.
عندما استلم الإخوان دفة الحكم والمسؤولية في مصر وتونس لم يكن لديهم برامج ومناهج لكيفية إدارة الدول ورعاية الشؤون، واختلط عليهم أمر إدارة الدول وإدارة الجمعيات والمؤسسات الخيرية التي تفننوا فيها فترات طويلة من الزمن مما جعلهم يسيرون على دساتير وبرامج ومناهج سابقة مناقضة لطروحاتهم، وهذه هي التي جلبت الشقاء للناس، وهي السبب فيما وصلت اليه الشعوب من انحدار. فعلى أرض الواقع لم ترَ الشعوب تغيراً في الحال والواقع لا في المجالات الاقتصادية ولا الاجتماعية ولا السياسية... ولا طرحت معالجات لمشاكل الناس والسير في المعالجة، أي إن الشعوب لم ترَ إلا تغير أسماء الحكام، وبقي الواقع على حاله مما أوجد حالة احتقان وتذمر ضد الإخوان في كل من مصر وتونس دفعت في النهاية للمطالبة برحيل الإخوان عن الحكم وتم خلع مرسي وجماعته , ووعت النهضة الدرس و تحركت من فورها . فكان حال الإخوان في المشاركة أن لا أمل أبقَوا ولا مشاكل حلُّوا، وهذا ما أعطى الجرأة للأطراف المضادة لرفع صوتهم ووصف هذا الحال بأنه فشل للإسلام السياسي في الحكم، وفشل في معالجة وحل مشاكل الناس الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية والسياسية..
أمام هذا الواقع الجديد المتجدد يبرز السؤال الطبيعي: هل الإسلام يعجز عن حل مشاكل الناس ولا يقدر على القيادة والحكم، أم أن المشكلة في النماذج المطروحة من بعض التيارات والحركات الإسلامية؟
إن القول بفشل الإسلام السياسي وعدم قدرته على الحكم وتغيير الحال هو تجنٍّ وتطاولٌ على الإسلام وعدم فهم لحقيقته. ومن الخطأ والخطر الخلط بين الإسلام والمناهج والنماذج المطروحة من قبل بعض التيارات والحركات الإسلامية. ومن الظلم قياس الإسلام على الحركات واعتبار فشلها فشلاً له.
ولا شك أن الإسلاميين بشر وتجاربهم في الحكم فيها الخطأ والصواب، ولا أظن أن أحدا عاقلا يمكن أن يدعي أن خطأ أي تجربة بشرية للحكم الإسلامي في أي زمان ومكان، يؤاخذ بها الإسلام ويذم بسببها، أو تكون شاهدا ودليلا على فشله وعدم ملاءمته لحل المشكلات العصرية. ومثل ما كانت هناك عدة محاولات فاشلة في التاريخ الغربي المعاصر، إلى أن استطاعت دوله الوقوف على رجليها وبناء نظمها السياسية على أسس مبادئها النظرية التى نادى بها فلاسفتها ومفكروها، فإن التجربة والصواب والخطأ والنجاح والفشل، هو الوسيلة البشرية الوحيدة المتاحة لبلوغ الغايات والأهداف. ومثلما تعددت الجمهوريات الفرنسية من جمهورية أولى وثانية وثالثة، فإذا فشلت تجربة الحكومة الإسلامية الأولى، فأمام الإسلاميين فرص أخري مثل أي فصيل سياسي يحاول تنفيذ فكرته والوصول إلي الحكم.