قال تعالى: (فهزموهم بإذن الله وقتل داود جالوت )} البقرة :251{
تحمل القصة المباركة مشاهدا متتابعة ومتلاحقة تبرز مظهرا من مظاهر مقاومة الحق للباطل، بيد أن الذي استوقفني خلال قراءة الآية المباركة المشهد المكلل لنهاية القصة المباركة الذي جاء على يد ( داود ) والكائن في قتله للظلم وهو في سن الشباب، وعلى الرغم من عدم ذكر البناء السردي للقصص المباركة أي إشارة أو تلميح عن ذلك الفتى الذي انهار على يديه رأس الظلم والطغيان ( جالوت).
وكأن الأحداث القصصية المباركة في الآية المباركة تريد أن تصل بالمتلقي إلى أن الفعلة العظمى والنهاية المنتظرة جاءت على يد شاب صغير يصير بعد ذلك نبيا يؤتيه الله - سبحانه وتعالى - من فضله ما لم يؤتيه لأحد من قبله ويورثها لأبنه من بعده سليمان – عليه السلام - الذي ملك الأرض من الإنس والجان والدواب وغيرها من المنح التي وهبها الحق - سبحانه وتعالى - له وأفرده عن غيره من خلقه في هذه العطية.
وقد توقفت كثيرا أمام هذا المشهد القرآني رابطا ما نحن فيه من انزواء فكري وتطرف عقدي وأخلاقي تسبب في تخليق الإرهاب الذي صار سبة للإسلام والمسلمين من قبل الجهلاء والمزيفين.
توقفت أمام الأحداث الفائتة التي سجلها التاريخ كشاهد للأحداث الدموية المؤسفة، التي يرافق استرجاعها - على أقل تقدير - إنداء الحبين تأثرا بآثارها المفزعة.
وجدت أن الأحداث المؤسفة الفائتة منها والآنية جاءت صنيعة الشباب الذي استمالته الأفكار المضللة والأصوات الخبيثة بدعوى التدين والإصلاح الاجتماعي، الذي آل بالشباب إلى الانقياد إلى الأفكار الهدامة والانجراف إلى غيابات الجهل سواء كان عامدا متعمدا، أو كان جاهلا بخبايا النوايا وغير عالما بمقاصد المضللين.
وجدت أن انقياد الشباب إلى تلك الجماعات الهدامة جاءت مصاحبة لحالات التهميش الذي خيم على مجتمعهم، وجدت أن رؤوس الجماعات الإرهابية رأت الفرصة سانحة لاستقطاب الشباب الذي عانى ألوان التهميش والتهويل واحتضان أفكارهم ورعاية طموحاتهم في بيئة قوامها الوهم وتزييف حقائق الدين؛ فصارت أفكار الجماعات الإرهابية ومفاهيمهم عقيدة تجري في دماء الشباب بل وتحيا عليها أرواحهم.
وقد ساعدت الأنظمة السابقة في تأجج النيران بالمواجهة العنيفة والرد القمعي لهؤلاء الشباب الذي اندرج في صفوفهم - دون قصد أو وعي - منْ ليس لهم علاقة بأفعالهم ولا بأفكارهم؛ فكانت ذريعة التهويل، واستغل المضللين سوء التصرف لينبتوا في نفوس الناس العطف تجاه ضحايا أفراد التنظيم؛ فتخلق البغض والكراهية تجاه قامعيهم بل وللدولة بأثرها؛ أنها الخطة المنكرة التي اعتمدت على التضحية بأعداد قليلة من الجماعة لاستعطاف واستقطاب الجماهير العريضة السامعة والرائية.
وفي ظني أن المسألة أيسر من كل العناء الذي أخفق وأضل التقدير؛ فاحتضان الشباب وتوفير البيئة الصالحة لهم فكريا وعقديا واجتماعيا هو أيسر السبل لضحد الإرهاب والعنف من منبته، فضلا عن كون إشعار الشباب بالثقة في أوطانهم يحيل الفهم الضال إلى المقصد الصحيح لمراد الدين دون اللجوء إلى الجماعات العاملة في الظلام والمؤولة لمراد النص المبارك تأويلا يتفق ومراد المضلل وهواه.
يجب أن نكون على يقين تام بأن الفكر العربي والثقافة العربية تميل إلى الدراسات الإسلامية والتعمق في الدين والتدين، حيث أنه الملجأ الروحي لأغلب الثقافة العربية والمدينين بالدين الإسلامي، وهذا ما أظنه محلا لإدراك الغربي منذ آماد طويلة.
نحن في إشكالية رد الفكر الغربي المضلل بوعي يتفق وميلنا الثقافي بتوجيه طاقات الشباب ورغباتهم إلى الاتجاه الديني وبما يتفق والفهم الصحيح ومراد الدين و يكشف لهم التمويه والإزاحة لمراد الدين قِبل أعدائه، لكي تتولد في يقينهم الخميرة القادرة على مواجهة الفكر الغربي المضلل والمفسد بل وتوفير الكثير من الجهد والطاقة في رد الفكر المضلل والفاسد ، و لا يتسنى لنا ذلك إلا بإرشاد الشباب إلى المراكز الدعوية والدينية التي تسقي لهم حقيقة الدين دون تزييف أو تحميل النص المبارك و نصوص الشريعة بمآرب أخرى لم يكن لها من سلطان في تراثنا الديني.
يا سادة ليس بمقدورنا أن نحيل العربي عن ممارسة الشعائر الدين خوفا من الانزلاق في هاوية الجماعات المضللة أو المأجورة.
الشباب ...الشباب فإنها نار تندل أو جنة وارفة.