الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

يحدث أيضا بالنمسا


يظل لدي يقين أن الإنسان في رحلة يسعى خلالها للرقي، وتظل الأمم تقاس بما تحققه في سلم هذا الصعود للقيم المثلى، ولقد قطعت أمم أشواطا في مشوار هذا الصعود الطويل، تقدمت به على بعض آخر من الأمم، ذلك بما تتمسك به من إنسانية، وما تسعى لتحقيقه من قيم، وما تشيعه في الإنسانية من خصال ينشدها هؤلاء الذين يعانون في بقاع العالم المختلفة ممن امتلكوا قلوبا مرهفة، وعقولا مدركة لأهمية القيم المثلى.

من بين الشعوب التي خطت خطوات نراها واثقة في طريق التحضر الشعب النمساوي، الذي يحاول جاهدا الارتقاء بالقيم الإنسانية، والذي ارتقى قليلا درجات في هذا المضمار، وإن كان في حاجة إلى المزيد، يؤكد ذلك ما حدث للطفلة أسيل، المولودة لأبوين تركيبن، والتي خرجت للدنيا بعد 47 دقيقة من بداية عام 2018، ففي غضون ساعاتٍ من ولادتها، جذبت الطفلة اهتمام مدينتها، فيينا، باعتبارها “طفل العام الجديد” في العاصمة النمساوية.

لكن بدلًا من أن تنهال عليها الأماني الطيبة من المواطنين الذين قرأوا إعلان ولادتها، الذي تصدَّر الصحف النمساوية يوم رأس السنة، اِستُقبِلت الطفلة الصغيرة وعائلتها بموجةٍ من العنصرية والاشمئزاز والكراهية؛ فقط لأن الأم كانت ترتدي الحجاب.‪

وتُعدّ الإعلانات العامة عن “أطفال رأس السنة”، إلى جانب صور الآباء المبتهجين الذين يحملون أبناءهم الذين وُلِدوا بعد وقتٍ قصيرٍ من ليلة رأس السنة - عادةً سنوية للصحف بالنمسا والدول الناطقة باللغة الألمانية.

وانتشرت على نطاق واسع، منذ يوم الثاني من يناير صورة لبعض هذه التعليقات المسيئة إلى الطفلة “أسيل”.
هذا هو الجانب المظلم في قصة تلك المولودة لأم محجبة، والتي لم تنته عند هذا الحد، وذلك لأن المجتمع النمساوي - كما قلنا آنفا - ارتقى درجات في سُلَّم الرقي، ومن ظواهر تمتع المجتمعات بالصحة النفسية، ذلك الحراك الذي تثيره قضية إنسانية، وهذا ما حدث حيث جمعت إحدى حركات السلام على الإنترنت وتدعى “نيت بيس”، التعليقات التي تُظهر إلى أي حد بلغت الكراهية حيال هذه الطفلة التي أبصرت النور لتوها، والتي كان أبرزها:
“وُلد الإرهابي التالي”، و ”هل المرأة مصابة بالسرطان؟ لماذا ترتدي الحجاب؟ لا أظن أن المكان بارد”، و” أزيلي ممسحة التنظيف عن رأسك، ليس نظيفًا! يجب أن يتم منع ارتدائه في المشفى”.

فيما قال آخرون: “الأمر سيان بالنسبة لي. بالتأكيد، لن يكون آخر عثماني يُولد في فيينا”، و ”آمل حدوث وفاة مفاجئة مع الطفل”، “عندما تصبح في الـ18 ستصبح إرهابية”.

وكان لنشر هذه التعليقات من قبل هذه الحركة الحقوقية رد فعل قوي حيث قالت الجماعات المُدافِعة عن حقوق اللاجئين ودعمهم على الإنترنت، إنَّها لم ترَ قط موجة كراهية مُوجَّهة ضد مولودٍ مثل الموجة التي واجهتها أسيل ووالديها، اللذين ذكرت صحيفة “Heute” النمساوية أنَّهما نعيمة وألبير تامجا.

وقال أحد المعلقين على صفحة حركة “نيت بيس”، إنه “استنكر بشدةٍ، ما تراه عيناه، إنه بالنظر إلى هذه التعليقات الموجودة في الصورة، لم يعد يستغرب المرء كيف كان رب أسرة عادي، يعمل حارسًا لمعسكرات الاعتقال النازية، قادرًا على ارتكاب هذه الأعمال الفظيعة”، مؤكدًا أن “مثل هذه التعليقات عارٌ على كل مجتمع متحضر”، وهذا الرد قوبل بتفاعل هائل حيث حاز 1400 إعجاب.

ذلك الذي يؤكد أنه على الرغم من تزايد تيارات اليمين المتطرف في أوروبا ومنها النمسا إلا أن الشوط الذي قطعه المجتمع المتحضر في هذه البلاد يبقى هو الأكثر انتشارا، والأكبر بين أبناء الشعب النمساوي، الذي عكست تعليقات فريق منه أنه مازال يكن عداء للدولة العثمانية ناتج عن ماضٍ يحاول استرجاعه بتفاصيل لا تتفق مع العصر رجب أردوغان الذي نراه أحد أسباب الكراهية للشعب التركي في النمسا وغيرها من الدول الأوروبية نتيجة للصورة الفظة التي يصدرها ويتعامل بها من الأوربيين وغيرهم.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط