الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

عفرين منتصرة.. وإن احتلت


لا يمكن اعتبار احتلال أية مدنية على أنه السقوط الذي لا نهوض من بعده، إلا في ثقافة الإنسان المستسلم والذي يرضى بما كُتِبَ له وعليه. ثقافة الهزيمة غير متواجدة سوى عند الشخوص الذين لم يقرؤوا التاريخ بشكل جيد أو إن قرأوه لم يستوعبوا جوهره، من حيث أن التاريخ لا يسير بخط مستقيم مطلقًا.

إرادة المقاومة هي التي تحدد مستقبل كل مجتمع آمن بمشروعية نضاله وكفاحه ضد الاحتلال. وبكل وضوح أن القوة لا تكفي مطلقًا كي تمتلك إرادة النصر. العامل المهم في إرادة المقاومة هي المعرفة والوعي المجتمعي والتاريخي لروح المقاومة وحق العيش بكل حرية وكرامة.

 وحينها يمكن إضافة عامل القوة إلى ذلك على أنه قوة دفع ديناميكية نحو الأمام. أي أن الإرادة يمكن اعتبارها القوة الكامنة في المقاومين الذين يمتلكون الوعي الجيد والقوة هي القوة الحركية لهذه الإرادة. ولكن المهم هو روح المقاومة الموجودة عند الشعب الكردي الذي لم يعرف ولا يستسيغ الهزيمة أبدًا.

ربما تحول الظروف الموضوعية إلى نتائج سلبية بعض الأحيان، لكنها بالمطلق لا يمكن لها أن تكون هي الحقيقة التي ينبغي قبولها. وهذا ما يمكن إسقاطه على عفرين التي قاومت وشعبها الاحتلال التركي لمدة الشهرين بوجه القوى الدولية التي أرادت أن ترسم ملامح المستقبل للشعب الكردي كما رسمته في القرن الماضي. إلا أنَّ إرادة الكرد أقوى هذه المرة عمَّا كانت عليه في الماضي، حيث أن إصرار الكرد على مواصلة المقاومة لهو القرار المهم في كافة التفاهمات الاقليمية والدولية.

ربما أرادت مصالح القوى الرأسمالية إن كانت امريكا أو روسيا ومن يقف خلفهما من كافة القوى والدول الأخرى، أرادت أن تكون هي الفيصل في توزيع وتهجير من تريد أينما تريد. إلا أنَّ الحقيقة الجغرافية والتاريخية لا تقبل بمنطق مهندسي التقسيمات الحالية، كما لم تستسغها من قبل.

عفرين مستمرة في مقاومتها الاحتلال بالرغم من كل الادعاءات التي يطلقها أردوغان الممثل الشرعي للإرهاب والإرهابيين والوكيل الحصري لتقسيم المنطقة على يده بتمويل روسي – أمريكي لذلك.

المشروع الديمقراطي الذي انتهجه الكرد في الشمال السوري والذي كان عبارة عن الخطوة الأولية لحل الأزمة التي تعاني منها سوريا، هو الذي لم تقبله القوى التي تبحث عن مطامعها ومصالحها في استمرارية المعارك والحروب والتي لا تبحث عن الحل في الوقت الراهن.

 وأنَّ أي طرف يضع الحلول والتي قد تكون مقبولة نوعًا ما على أنه أفضل الأمرين، هذا الطرف سيكون الهدف الذي ستتوجه له معظم الاتهامات الباطلة من هنا وهناك وبصمت دولي وتنديد خجول إقليمي. لأن المصالح تقتضي أن تكون كافة الحلول التي ستوضع لمشاكل المنطقة يجب أن تضعها القوى الدولية هي بنفسها وليس أي طرف آخر.

منطق القوى الرأسمالية يقتضي أن يحجّموا أو حتى يقضوا على أية بارقة أمل تُخرج المجتمع من الفوضى التي دخلوها خِدمةً لأصحاب النفوذ على الأرض.

كلنا يُدرك أن سبب الفوضى في المنطقة وبالرغم من الأسباب الذاتية الحُبلى سلبيات وأخطاء النظم الحاكمة، إلا أنه علينا ألا نغفل العامل الموضوعي والخارجي لهذه الفوضى، والمتمثل بالقوى التي تبحث عن موطئ قدم لها على هذه الجغرافيا، في عملية نهب خيراتها، والتي لن تتم إلا بفرض الأمر الواقع التي تختاره تلك القوى الرأسمالية، كي تأتي في نهاية المطاف وتضع الحلول التي تراها مناسبة مطامعها هي وليذهب الشعب والمجتمع إلى الجحيم. أي أنها هي الشيطان الذي أدخلنا في مستنقع الاقتتال الطائفي والمذهبي، وهي بحد ذاتها ستكون المخلص والمنتظر الذي ستجلب لنا الاستقرار.

هذه هي التراجيديا والمأساة التي نعاني منها بكل معنى الكلمة وحتى بتنا نثق بها على أنها الحل الأخير الذي علينا أن نمتثل له ونستسلم ونرضى بما يرسمون لنا. لكن الكرد الذين يمتلكون مشروع آخر يعتمد العيش المشترك و" الكل مع الكل" وفق منطق "الهويات الجامعة"، مغاير تمامًا لمشروع القوى الدولية في تقسيم المنطقة وجعل "الكل يقتل الكل" في فلك البحث عن "الهويات القاتلة" التي لم نتخلص منها حتى راهننا.

لذلك نقول أن: "عفرين منتصرة، وإن احتلت".
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط