الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

حينما تكون المصالح أهم من المبادئ


إنها الميكافيلية العمياء التي باتت أساس التعامل العام والخاص في كافة مناهي الحياة والتي جلبت معها معظم الكوارث التي نعيشها في مفردات أيامنا الصغيرة منها والكبيرة، حتى أصبحت الحياة بكل معانيها الواسعة والكبيرة والجميلة التي نحلم بها، مجرد مصطلحات نرددها ولا نعيشها لأنها كما يقول أخوتنا المصريين "ما بتوكل عيش". ونبحث عن أسباب أخرى نعيش من خلالها علَّنا نشبع جشعنا المادي الذي بات هدفًا في حياتنا.

الوسيلة حينما تصبح هدفًا تنقلب عوامل نجاح الحياة رأسًا على عقب، كأن نضع العربة أمام الحصان ونريدها أن تسير بشكلها الطبيعي. إنها الكوميديا التي نتحسسها ونضحك بها على ذاتنا ونقول: إن "الدنيا غدارة" أو "خاينة". نبحث في النتائج ونتعامى ونتجاهل الأسباب.

إنها العقلية المنقطعة عن الماضي والتاريخ والتي لا تفكر سوى باللحظة التي تعيشها هي دون غيرها، ويصل بنا المطاف بأن نجعل من ذاتنا المحور الذي ينبغي على الجميع أن يلتف حوله، ولا ندرك بأننا أيضًا جزءًا من هذا الكل، الذي يشكل في النهاية ما نسميه "الحياة".

نعشق الحياة لأننا نحب الوطن، ومن لا يدافع عن وطنه لا يستحق الحياة. هنا لا مكان للميكافيلية والمصالح، بل الذي يحدد مسيرة وهدف الحياة هي المبادئ التي لا يمكن التهاون فيها والنظر إليها على أنها مواد ترفيهية أو من كماليات الحياة، هي أساس الحياة وحينما تم التخلي عنها لم يعد للحياة وكذلك للوطن أي طعم.

الخطابين القوموي والدينوي باتت تسيطر عليهما المصالح بعد أن تخلتا عن المبادئ والنتيجة هي ما نعيشه اليوم من صراعات وحروب جعلناها مقدسة لصالح فئة مستفيدة، إن كانوا من أصحاب العمامات البيضاء منها أم السوداء أو من أصحاب الكرافيتات والطقم الرسمي.

من يتحلى بالمبادئ بات يوصف بالأهبل والمخبول والمجنون في عالم لا يعترف بوجود أمثال هؤلاء، لأنه عالم الرياء والاستسلام للمادة والعبودية للمصالح ولتذهب المبادئ في "ستين داهية".

هذا ما كان مما شاهدناه في ثورات ما سميت بـ "الربيع العربي" والتي تحولت إلى حالة جمع الثروات على حساب الشعوب والمجتمعات. ومتى ما أدركنا وعن قناعة أن المصالح ليست سوى حفارة قبور لمن يكون أسيرًا لها، حينها ربما يكون بمقدورنا أن نعي المعنى الكامن في الثورة التي هي من أجل التغيير المجتمعي.

إننا اليوم شهود عيان على وأد الثورة السورية التي بدأت من درعا تحت شعار "الحرية" قبل سنوات سبع، لكن سماسرة الحروب وجمع المال السياسي منه والدينوي والقوموي عملوا بكل ما أوتوا من امكانيات على بيع بكارة الثورة في بازارات النخاسة العثمانية، وهاهم الآن يتباكون كذبًا وزورًا على وأد الثورة السورية من حيث خرجت. هؤلاء السماسرة الذين تخلوا عن مبدأ الحرية ولهثوا وراء المال والسلطة والمصالح هم المسؤلون عن ما يمكن تسميته كوميديا الثورة السورية، التي من مصالحها أنه على الكل أن يقتل الكل واقصاء الآخر والأنانية الليبرالية المتوحشة القاتلة التي قال عنها يومًا أمين معلوف "هويات قاتلة".

لكن يبقى للتاريخ مساره الذي يحفره هو بذاته بعيدًا عن تدخل الانسان والذي يفرضه على كل من يرغب السير معه. إنه الماضي والتاريخ واللحظة التي نعيشها والمستقبل تُعاش في نفس الوقت ولا يمكن الفصل بينهما البتة. ومن يدرك هذه الفلسفة حينها سيفتح التاريخ له أبوابه مشرعة وكأنه يقول له "سر يا عبدي إنني ملكك". مسيرة شاقة وصعبة وفيها الكثير من التضحيات الجسام والإرادة القوية المبنية على بعث المبادئ من جديد لبناء حياة أفضل.

هذا ما كانت عليه ميزوبوتاميا على ضفاف نهري دجلة والفرات وحواف جبال زاغروس منذ ألاف السنين والتي كانت المهد الذي ترعرعت فيه الانسانية وانتشرت منه نحو الأطراف على ضفاف أنهر النيل والأصفر والبنجاب. وكأن التاريخ يكرر نفسه أو الأصح يبعث ذاته من جديد وينمو على جذوره الضاربة في أعماق الأرض. والتي من مبادئها أن يكون الكل مع الكل ويعيش من أجل الكل وكذلك الروح الجماعية والعيش المشترك وأخوة الشعوب والتي قال عنها يومًا أوج آلان "هويات جامعة".
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط