الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

تهدئة أم مواجهة في غزة!!


ثمة سؤال يطرح بصورة دائمة علي الساحة الفلسطينية، ولا سيما، مع رد فعل المقاومة الفلسطينية، على الاعتداءات الإسرائيلية، منذ انطلاق "مسيرات العودة"، وهو هل نحن على أعتاب مواجهة؟ في تقديري، أن كل المعطيات الميدانية والواقع السياسي، لا تشير بأي حال من الأحوال، إلى أي مواجهة واسعة خلال المرحلة الراهنة.

علي الرغم من تصاعد نبرة تهديدات إسرائيل، وتزايد فعل المقاومة الشعبية بالطائرات الورقية وغيرها، وارتفاع وتيرة المزايدة داخل الساحة السياسية الإسرائيلية بين الحكومة والمعارضة، واتخاذ قرار التضييق على المعابر، بيد أن هذه البيئة، لا تضع خيار العدوان الشامل على الطاولة، لغياب الأهداف السياسية، وتزايد التهديدات على الجبهة الشمالية، وسعي الاحتلال لفرض واقع مغاير في جبهة الجولان، كذلك قناعة الاحتلال، بأن المقاومة لا تأبه بأي عدوان يفرض عليها. قد تتوسع جولات التصعيد، وإن كانت احتمالاته ضئيلة وستبقى محدودة.

حالة من التخبط والارتباك تعيشها المؤسسة الإسرائيلية، فيما يتعلق بحسم الملف عسكريا، بعد استبعاد التسوية السياسية مع حركة "حماس"، علي الرغم من تفاهمات التهدئة بين الأطراف برعاية مصرية. ظهر ذلك جليا، في تقديرات محللين عسكريين وسياسيين إسرائيليين، لتطورات الأوضاع في قطاع غزة على وقع "مسيرات العودة" المتواصلة منذ مارس الماضي.

حيث انقسمت الآراء علي الساحة الإسرائيلية، ما بين خسارة "حماس"، لمعركة "مسيرات العودة"، ووصولها إلى طريق مسدود. وبين الآراء التي ترجح غير ذلك، وتشير إلى أن "مسيرة العودة"، وتداعياتها تمهد لمواجهة شاملة.

ولمحاولة الحد من وقوع مواجهة عسكرية شاملة مع قطاع غزة، بحث المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر للشئون السياسية والأمنية "الكابينيت"، الوضع الإنساني في غزة وإمكانية التوصل إلى تسوية سياسية في القطاع. 

وكانت هناك عدة مقترحات لتخفيف الحصار على غزة، والتي بلور بعضها المنسق الدولي الخاص بالشرق الأوسط، نيكولاي ملادينوف، وهي المقترحات التي قبلت إسرائيل دراستها، عقب الضغوطات الإقليمية والدولية، والتحذير من كارثة إنسانية بالقطاع بفعل الحصار المتواصل منذ 12عاما. من بين المقترحات المطروحة للنقاش مسألة السماح بإدخال 6 آلاف عامل من غزة للعمل في إسرائيل، وتحويل حاجز بيت حانون لمعبر تجاري وربطه مع ميناء أسدود وتسهيلات أخرى لسكان غزة.

صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية، من خلال محللها العسكري أليكس فيشمان، قالت إن حركة "حماس"، استنفدت كافة الإمكانيات وبطاقات المناورة، وليس لديها مزيد من براءات الاختراع لتحسين وضعها، وما تبقى هو التعبئة الشعبية المستمرة لضمان استمرارية المواجهات والحفاظ على التوتر العسكري في مواجهة إسرائيل". مضيفا، أنه بعد عشرات القتلى وآلاف الجرحى، وصلت "حماس" إلى طريق مسدود، على حد زعمه. وللتغطية على عجز إسرائيل، في مواجهة "مسيرات العودة"، والأحداث على طول السياج الأمني، أختار فيشمان، التقليل من انجاز "حماس"، زاعما أنها تخسر المعركة، وأنها في أزمة حكم، لكنها تبقى على قدميها، ويعتقد أن "حماس"، لم تتلق ضربة حقيقية من إسرائيل، من شأنها أن تعطيها الشعور بأن نظام حكمها في خطر، في إشارة منه للمؤسسة العسكرية لتوجيه ضربة قاضية للحركة.

أما صحيفة "هآرتس"، كان لها رأي آخر، حيث قالت إن الهدوء النسبي الذي ساد منذ انتهاء العملية العسكرية "الجرف الصامد"، قد تبدد وانتهى، حيث من المتوقع أن تواصل "حماس"، التظاهرات في الصيف، مبينا أن لدى الحركة، مزيج جديد من الوسائل، المظاهرات التي تذهب للمواجهة والمفرقعات النارية والصواريخ في بعض الأحيان، للحفاظ على نار المقاومة.

بنظرة شمولية، نستطيع أن نقول، حركة "حماس"، تعلم جيدا واقع الوضع الإنساني المؤلم في غزة، وتهرب الكثير من الأطراف، بما فيها الداخلية، من المسئولية، وفي مقدمتها رئاسة السلطة وحكومة التوافق، فضلا عن أن إسرائيل، عاجزة عن مواجهتها لأسباب متعددة بينها قوة "حماس"، وعدم القدرة على اجتثاثها مهما أعاد المحاولة. ومن ثم، قد ترى في الدخول في تهدئة مع إسرائيل، إمكانية قائمة، لكن وفق رؤية واضحة تضمن عدم المساس بالمقاومة، وعدم الاقتراب من الثوابت الفلسطينية. إسرائيل، في نفس الوقت تسعى للتهدئة مع "حماس"، لاعتبارات ترتبط بعجزها عن مواجهتها، وهو ما عبر عنه قادة كبار في الجيش الإسرائيلي، وكذلك في ظل اضطراب المحيط العربي، وخاصة ما يتعلق بالشمال على الحدود مع لبنان وسوريا، والحدود مع مصر، وهو ما يجعله أيضا متشجعا لتهدئة مع "حماس". في المقابل إسرائيل، ترغب بضمانات تتمثل في ألا تذهب "حماس"، في قوتها إلى ما لا تستطيع مواجهتها مستقبلا، وتوفر سلاح رادع يخل بالتوازن، إلى جانب الدخول في تهدئة طويلة الأمد، لحين تغير الظروف المحيطة.

يبدو أن الطرفين، يعملان على عدم الدخول في مواجهة على المدى القصير، ويمكن للتهدئة طويلة الأمد أن تمنع ذلك. لذلك "حماس"، مطالبة وبقوة باستقرار الأوضاع، للخروج من الوضع الصعب الذي يعاني منه قطاع غزة، وإسرائيل أيضا، لا تحتمل مواجهة في المدى القريب، وفي الحالتين يبدو أن الأمر قد يأخذ وقتا في الوصول إلى تقارب يعالج الأزمة بما يحقق استقرارا، ولو كان مؤقتا لحين تغير الموازين في المنطقة.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط